دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 225

4 ـ البحث الاستدلالي في بعض البحوث الهامّة

إنّ الملاحظ لمصنّفات القدماء يجد اهتماما خاصّا منهم ببعض الأبواب الفقهية ، حيث كانت بعض مسائلها مدار البحث والخلاف بين الفريقين ، وذلك نظير مسائل باب الوضوء والنكاح والطلاق والإرث . والسبب في ذلك هو أنّ مدارك تلك الأحكام والفروع هو القرآن الكريم ، وهو مصدر مشترك بين الجميع قطعي الصدور عندهم ، ومن هنا فإنّ الجميع يحاول التمسّك بآياته وتقريب الاستدلال بها على مقصوده .
ولذا نجد أنّ الشيخ الكليني قدس سره قد عدل عن طريقته التي سار عليها في مجمل بحوث كتابه بالاقتصار على إيراد الأخبار ، حيث نجده يخوض غمار البحث الفقهي الاستدلالي الذي يستعرض الأدلّة ويدرسها، وربّما يطرح بعضها ويرفضها، كما هو شأن كلّ فقيه ، وهذا ما نلاحظ نماذجه في بحث الوضوء وبعض مسائل الصلاة وباب الفيء والأنفال .
وأنصع صورة لبحوثه الاستدلالية هو بحث الإرث ، حيث قام أوّلاً في أوّل كتاب الإرث ببيان الطبقات وتوضيحها ، ثمّ قام في باب آخر ببيان الفرائض المكتوبة لهم في الكتاب شارحا ذلك ببيان وافٍ على ضوء الآيات المبيّنة للفرائض والأسهم ، مع استعراض للأقوال ومواطن الإجماع والخلاف في تلك المسائل ، وطرح المناقشات التي يمكن أن ترد في البحث مجيبا عليها ، ثمّ يشرع بعد ذلك بتبويب الأخبار المتعلّقة بمسائل كتاب الإرث ، كلّ ذلك يضع الباحث أمام نموذج من نماذج البحث الفقهي في كتاب الكافي ، ليقف عند صورة تعكس مستوى البحث الفقهي لمؤلّفه الفقيه وهو يخرج عن منهجه الحديثي التقليدي الذي سار عليه في كتابه ليحرّر بحثا فقهيا استدلاليا في فروع ومسائل شتّى .

صفحه از 257