دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 231

4 ـ التعارض

وهو من أهمّ مسائل علم الأُصول وأجلّها ؛ لكثرة ابتلاء الفقيه بها في مقام البحث والاستنباط ، ويُرجع في مثل هذه الحالات عادةً إلى المرجّحات ، وقسّمها الأُصوليون إلى المرجّحات السندية والمرجّحات الدلالية .
وقد أشار الشيخ الكليني إلى القسم الثاني منها في مقدّمة كتابه عند الإشارة إلى اختلاف الأخبار وتعارضها ، منبّها على عدم إمكان الجمع بينها بالرأي دون الرجوع إلى الموازين التي أقامها الأئمّة عليهم السلام في مثل هذه الحالات . وهذه الموازين بحسب ما حدّدها هي :
أ . الموافقة للكتاب .
ب . مخالفة الجمهور .
ج . الأخذ بالخبر المجمع عليه .
قال قدس سره :
إنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه ، إلّا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام : اعرضوها على كتاب اللّه ؛ فما وافق كتاب اللّه عزّوجلّ فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فردّوه ، وقوله عليه السلام : دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم ، وقوله عليه السلام : خذوا بالمجمع عليه ؛ فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه .
ثمّ يشير إلى موارد تطبيق هذه القواعد وقلّة الاطّلاع على تشخيصها والوقوف عليها ، فيقول :
ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّة ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام ، وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه السلام : بأيّ ما أخذتم من باب التسليم وسعكم۱.
ولم نعثر ـ في حدود التتبّع ـ على تطبيق لهذه المرجّحات سوى المرجّح الثالثّ في مسائل باب الإرث . وهذا لا ينفي ـ بالطبع ـ إعمالها جميعا بحسب الواقع عند اختياره للأخبار التي أوردها في كتابه . قال الحجّة السيّد حسن الصدر في عداد مميزات كتاب الكافي :
ومنها : إنّه غالبا لا يورد الأخبار المعارضة ، بل يقتصر على ما يدلّ على الباب الذي عنونه ، وربما دلّ ذلك على ترجيحه لما ذكر على ما لم يذكر ۲ .
وعلى أيّ حال ، فإنّ من تطبيقات المرجّح الثالث ما أشرنا إليه سابقا في مسألة إرث الجدّ مع وجود الأبوين ، حيث قدّم الروايات الدالّة على منعه من الإرث على روايات الطعمة سدسا ؛ لقيام الإجماع على الأُولى مع صحّة الروايات الثانية .

1.أُصول الكافي ( خطبة الكتاب ) : ج ۱ ص ۵۶ .

2.نهاية الدراية : ص ۵۴۵ .

صفحه از 257