دراسة حول الأبعاد الفقهية في تراث الشيخ الكليني - صفحه 233

الدليـل :

استدلّ ثقة الإسلام لرأيه بقول أبي عبد اللّه عليه السلام في جواب عبد الكريم عندما سأله عن الوضوء ، فأجابه : « ما كان وضوء علي عليه السلام إلّا مرّة مرّة »۱.
قال قدس سره : « هذا دليل على أنّ الوضوء إنّما هو مرّة مرّة » ، معلّلاً ذلك بأنّه ـ صلوات اللّه عليه ـ كان إذا ورد عليه أمران كلاهما للّه طاعة، أخذ بأحوطهما وأشدّهما على بدنه ، حاملاً ما دلّ على أنّ الوضوء مرّتان على من استزاد ولم يقنع بالواحدة .
واستدلّ للمشهور ـ مضافا إلى الإجماع ـ ببعض الصحاح ، كصحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام ، قال :
الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يؤجر عليه۲.
ونحوه صحيح معاوية بن وهب ۳ ، وصحيح صفوان بن يحيى ۴ عنه عليه السلام ، قال :
فرض اللّه الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله للناس اثنتين اثنتين .
ولكن ثمّة رواية أُخرى لم ينقلها في الكافي كان ينبغي نقلها وهو في مقام الاستنباط ؛ حيث روى عمرو بن أبي المقدام :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله توضّأ اثنتين اثنتين .
وهي بلا شكّ تعارض ما رواه عن علي عليه السلام من أنّ وضوءه كان مرّة مرّة . وقد جمع بينهما بعض الفقهاء ۵ بما روي عنه أيضا من « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وضع الثانية لضعف الناس » ، وكأنّ وجهه أنّ الاثنتين سنّة ؛ لئلّا يكون قد قصّر المتوضّئ في المرّة فتأتي الثانية على تقصيره ، وهم عليهم السلام منزّهون عن احتمال ذلك ، فيكون الاستحباب بالنسبة إلى غيرهم .
ووجه الجمع بينهما : هو أنّ ما دلّ على أنّ وضوءه كان مرّة مرّة ، يدلّ على أنّ عادته كانت المرّة ؛ لكون الثانية مستحبّة بالنسبة إلى غيره ، إلّا أنّه اتّفق له فعلها يوما من الأيّام لغرض من الأغراض الصحيحة ، كعدم تنفّر الناس عنها بتركها من جهته ، أو نحو ذلك من الأغراض ، فتكون مستحبّة بالنسبة إليه بالعارض .
2 ـ القول بوجوب غسل الجمعة ، حيث عقد بابا أسماه « وجوب الغسل يوم الجمعة » ، وقد ذهب إلى هذا الرأي أيضا الصدوقان ۶ ، والمشهور بل الإجماع على استحبابه ۷ . ومن قال باستحبابه حمل لفظ الوجوب في عباراتهم وفي الأخبار الواردة فيه على تأكّد الاستحباب ؛ لعدم العلم بكون الوجوب حقيقة في المعنى المصطلح ، بل الظاهر من الأخبار خلافه . ومن قال بالوجوب يحمل السنّة على مقابل الفرض ، أي ما ثبت وجوبه بالسنّة لا بالقرآن ، وهذا يظهر أيضا من الأخبار ۸ .
قال في الجواهر :
في صريح الغنية وموضعين من الخلاف الإجماع عليه أي الاستحباب ، بل في أحدهما نسبة القول بالوجوب إلى أهل الظاهر داوود وغيره .
نعم ، إنّما عُرف ذلك من المصنّف والعلّامة ومن تأخّر عنهما ، فنسبوا القول بالوجوب إلى الصدوقين ، حيث قالا : وغسل الجمعة سنّة واجبة ، فلا تدعه ، كما عن الرسالة والمقنع ، ونحوه الفقيه والهداية ، لكن مع ذكر رواية الرخصة في تركه للنساء في السفر لقلّة الماء ، بل والكليني حيث عقد في الكافي بابا لوجوب ذلك ، مع احتمال إرادة السنّة الأكيدة اللّازمة كالأخبار ، كما يومئ إليه أنّه وقع ما يقرب من ذلك ممّن علم أنّ مذهبه الندب ، مضافا إلى ما عرفته سابقا ؛ إذ المتقدّمون بعضهم أعرف بلسان بعض . ويزيده تأييدا بل يعيّنه ، ما حكي عن ظاهر الصدوق في الأمالي من القول بالاستحباب مع نسبته له إلى الإمامية . ولا ريب أنّ الكليني ووالده من أجلّاء الإمامية ، مع أنّهما عنده بمكانة عظيمة جدّا سيما والده ، بل والكليني أيضا ؛ لأنّه أُستاذه ، هذا على أنّ قولهما : « سنّة واجبة » إن حمل فيه لفظ السنّة على حقيقته في زمانهما ونحوه من الاستحباب ، كانت عبارتهما أظهر في نفي الوجوب .
وكيف كان فالمختار الأوّل ، وعليه استقرّ المذهب ؛ للأصل والإجماع المحكي بل المحصّل ، والسيرة المستمرّة المستقيمة في سائر الأعصار والأمصار ۹ .
ويمكن الاستشهاد لإرادة الوجوب حقيقةً في كلام الكليني، بعدم إيراده خبرا واحدا ، ممّا يدلّ على استحبابه ونفي الوجوب عنه ، كما في صحيح ابن يقطين :
سأل أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، فقال : سنّة وليست فريضة ۱۰ .
بناءً على إرادة الاستحباب بها ، لا ما ثبت بالسنّة في مقابل ما ثبت بالقرآن .
3 ـ ذهب قدس سره إلى عدم وجوب سجدتي السهو فيما لو سلّم سهوا بعد الأُولتين ، والمشهور وجوبهما ، بل ادُّعي عليه الإجماع .
وقد يستظهر الخلاف في المسألة أيضا من جماعة، كالعمّاني والشيخ المفيد وعلم الهدى وابن حمزة وسلّار ، حيث ذكروا الكلام ناسيا من غير ذكر السلام ۱۱ ، ونقل التصريح به عن علي بن بابويه وولده في المقنع ۱۲ .
وقد حاول بعض الفقهاء توجيه كلامهم وإخراجه عن دائرة الخلاف ، بحمل الكلام الوارد في كلماتهم على ما يشمل التسليم في غير محلّه ؛ لأنّه من الكلام أيضا ، وهو محتمل كلام الشيخ الصدوق في بعض نسخ المقنع ، فيكون مراده من الكلام الأعمّ ۱۳ .
وحينئذٍ ينحصر الخلاف ـ ظاهرا ـ في كلام الكليني ، أو هو ووالد الصدوق ، حيث لم ينصّ عليه ولا على الكلام ، وذلك لتصريح الكليني بنفيه ، قال في عداد المواضع التي لا يجب فيها سجود السهو :
والذي يسلّم في الركعتين الأُولتين ثمّ يذكر فيتمّ قبل أن يتكلّم ، فلا سهو عليه ۱۴ .
وهو صريح في سقوط سجدتي السهو فيه .
والظاهر أنّه استند في ذلك إلى ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قضية ذي الشمالين التي حكمت سجود السهو لمكان الكلام بعد السلام ، لا لصرف وقوع السلام في غير موضعه ۱۵ .
4 ـ قال قدس سره :
إن شكّ [ المصلّي ] وهو قائم فلم يدرِ أركع أم لم يركع ، فليركع حتّى يكون على يقين من ركوعه ، فإن ركع ثمّ ذكر أنّه كان قد ركع ، فليرسل نفسه إلى السجود من غير أن يرفع رأسه من الركوع في الركوع ، فإن مضى ورفع رأسه من الركوع ثمّ ذكر أنّه قد كان ركع ، فعليه أن يعيد الصلاة ؛ لأنّه قد زاد في صلاته ركعة ۱۶ .
وكأنّ الركن عنده يتحقّق بالركوع ورفع الرأس منه معا ، لا بالركوع حسب لتتحقّق بذلك الزيادة الركنية .
وقد وافقه على هذا الرأي السيّد المرتضى والشيخ الطوسي وابن إدريس وابنا حمزة وزهرة ، وأكثر المتأخّرين ـ بل قيل : إنّ عليه الفتوى ـ على خلاف ذلك ، حيث أفتوا ببطلان الصلاة ؛ لمكان زيادة الركن حتّى لو لم يرفع رأسه من الركوع ۱۷ .
ولم يستدلّ الشيخ الكليني وتابعوه لهذا الرأي بروايةٍ مكتفين بإيراد الفتوى حسب .
وقد استدلّ الشهيد لهم :
بأنّ ما صدر من المكلّف من حالة الركوع وإن كان بصورة الركوع ومنويا به الركوع ، إلّا أنّه في الحقيقة ليس بركوع ؛ لتبيّن خلافه ، والهوي إلى السجود واجب ، فيتأدّى الهوي إلى السجود به فلا تتحقّق الزيادة ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع فإنّ الزيادة متحقّقة حينئذٍ ؛ لافتقاره إلى هويّ إلى السجود ۱۸ .
5 ـ قال قدس سره :
إن سجد ثمّ ذكر أنّه قد كان سجد سجدتين ، فعليه أن يعيد الصلاة ؛ لأنّه قد زاد في صلاته سجدة ۱۹ .
والمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ـ كما في الجواهر ـ عدم بطلان الصلاة بذلك ؛ لما دلّ على عدم بطلانها بزيادة السجدة ، كخبر منصور بن حازم عندما سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فأجابه :
لا يعيد صلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة۲۰.
وأمّا البطلان الذي أفتى به الكليني ـ وتبعه السيّد والعمّاني وابن إدريس والحلبي وابن زهرة ۲۱ ـ فلم نعثر له على دليل في الكافي . واستدلّ له في الجواهر بقاعدة الشغل وإطلاق بعض النصوص التي رواها الشيخ ۲۲ .
6 ـ قال قدس سره :
إن ركع فاستيقن أنّه لم يكن سجد إلّا سجدة أو لم يسجد شيئا ، فعليه إعادة الصلاة ۲۳ .
وقد اختار رأيه أيضا العمّاني . والمشهور شهرة عظيمة نقلاً وتحصيلاً كادت تكون إجماعا ـ بل عن بعضهم الإجماع ـ على أنّه ليس عليه شيء إلّا قضاء السجدة ؛ وذلك للإجماع ولخبر ابن حكيم :
إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ، فاقضِ الذي فاتك سهوا ۲۴ .
ولم نقف للكليني على رواية في ذلك ، واحتمل في الجواهر أن يكون مستنده رواية المعلّى بن خُنيس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام ، حيث سأله عن ذلك فأجاب عليه السلام :
. . . وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة » ۲۵ ، معلّقا عليه : « مع أنّه لا جابر لسنده معارض بما سمعت من الأدلّة المستغنية عن ذكر الترجيح عليه ۲۶ .
7 ـ قال قدس سره :
إن كان قد ركع وعلم أنّه لم يكن تشهّد مضى في صلاته ، فإذا فرغ سجد سجدتي السهو ۲۷ .
والمشهور ـ بل عليه الإجماع ـ قضاؤه بعد الصلاة ؛ للإجماع والأخبار .
والظاهر أنّ مستند الكليني ما رواه هو عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام :
. . . فإن أنت لم تذكر حتّى تركع ، فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم ۲۸
.
إلّا أنّه أفتى في المواضع التي يجب فيها سجود السهود بقضاء التشهّد أيضا ، قال فيما يجب له سجود السهو :
والذي ينسى تشهّده ولا يجلس في الركعتين وفاته ذلك حتّى يركع في الثالثة ، فعليه سجدتا السهو وقضاء تشهّده إذا فرغ من صلاته ۲۹ .
وهناك مجموعة من الآراء المخالفة للمشهور قد نسبها المجلسي الثاني قدس سرهفي شرحه لكتاب الكافي ، مستظهرا ذلك من إيراد الكليني لتلك الأخبار وكأنّه يفتي بمضمونها ، وهي بحسب تبويبها الفقهي كالتالي :

1.فروع الكافي: ج ۳ ص ۳۶ .

2.وسائل الشيعة : ج ۱ ص ۳۰۷ الباب ۳۱ من أبواب الوضوء ح ۵ .

3.المصدر السابق .

4.المصدر السابق .

5.انظر : جواهر الكلام : ج ۲ ص ۲۷۳ .

6.مختلف الشيعة : ج ۱ ص ۱۵۵ ، ط ـ مكتب الإعلام الإسلامي .

7.جواهر الكلام : ج ۵ ص ۲ .

8.مرآة العقول : ج ۱۳ ص ۱۲۸ ـ ۱۲۹ .

9.جواهر الكلام : ج ۵ ص ۳ .

10.وسائل الشيعة : ج ۲ ص ۹۴۴ الباب السادس من أبواب الأغسال المسنونة ح ۹ .

11.جواهر الكلام : ج ۱۲ ص ۴۳۱ ؛ مستند الشيعة : ج ۷ ص ۲۳۳ و ۲۳۵ .

12.مستند الشيعة : ج ۷ ص ۲۳۵ .

13.انظر : جواهر الكلام : ج ۱۲ ص ۴۳۲ .

14.فروع الكافي : ج ۳ ص ۳۶۲ .

15.المصدر السابق : ص ۳۵۷ .

16.المصدر السابق : ص ۳۶۲ .

17.انظر : مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ص ۵۴۰ ؛ ذخيرة المعاد : ص ۳۷۴ ؛ جواهر الكلام : ج ۱۲ ص ۲۶۰ .

18.ذكرى الشيعة : ج ۴ ص ۵۱ .

19.فروع الكافي : ج ۳ ص ۳۶۲ .

20.وسائل الشيعة : ج ۴ ص ۹۳۸ الباب ۱۴ من أبواب الركوع ح۲ .

21.انظر : جواهر الكلام : ج ۱۰ ص ۱۲۹ .

22.المصدر السابق .

23.فروع الكافي : ج ۳ ص ۳۶۲ .

24.وسائل الشيعة : ج ۵ ص ۳۳۷ الباب ۲۳ من أبواب الخلل ح ۷ .

25.المصدر السابق : ج ۴ ص ۹۶۹ الباب ۱۴ من أبواب السجود ح ۵ .

26.جواهر الكلام : ج ۱۲ ص ۲۹۳ .

27.فروع الكافي : ج ۳ ص ۳۶۲ .

28.المصدر السابق : ص ۳۵۹ .

29.المصدر السابق : ص ۳۶۱ .

صفحه از 257