الآخر في فكر الكليني، المعتزلة أُنموذجا - صفحه ۲۰

التوحيد في الصفات

يقصد بتوحيد الصفات، هو أنّه «لا يمتلك أحد الصفات الإلهيّة وهو وحيد في صفاته ومتفرد بها، علمه وقدرته ورحمته وحكمته موجودة فيه على نحوٍ استقلالي ولم يأخذها من آخر، عكس الإنسان، فقد اكتسب قدرته وعلمه من اللّه ولم تكن فيه على نحو الاستقلال» ۱ .
والصفات الذاتية للذات المقدّسة وإن تعدّدت «كالعلم والقدرة والحياة، إلّا أنّ هذا التعدّد إنّما هو باعتبار المفهوم الذهني وليس باعتبار الوجود والواقع الخارجي، بمعنى أنّ كلّ واحدة من هذه الصفات هي عين الأُخرى وليست غير الأُخرى، وهي أجمع عين الذات وليست غير الذات» ۲ ، قال تعالى: «أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِىُّ وَ هُوَ يُحْىِ الْمَوْتَى وَ هُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ»۳ ، فالآية الكريمة تؤكّد صفة الولاية والقدرة المطلقة للّه (عزّ وجلّ)، وأنّه أولى بالخلق من أنفسهم؛ لأنّه خلقهم، وهو القادر على إحيائهم وإماتتهم، فهو المحيي والمميت، وأنّ قدرته بلا حدود ۴ .
لقد ذكر الشيخ الكليني في باب الصفات وحدة الذات المقدّسة فقدرتها مطلقة، وعليه ينبغي أن تكون الولاية لها مطلقة، لذا فإنّ رؤية هذا الآخر العقدي(المعتزلة) في كيفية بعض هذه الصفات، فتح باب الجدل في إقرار هذه الصفات وصحّة معتقدهم، يقول الشيخ في صفات الذات: «وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور... أي وقع على ما كان معلوماً في الأزل وانطبق عليه وتحقّق مصداقه، وليس المقصود تعلّقه به تعلّقاً لم يكن قبل الإيجاد والمراد بوقوع العلم على المعلوم العلم به على أنّه حاضر موجود وكان قد تعلّق العلم به قبل ذلك على وجه الغيبة وأنّه سيوجد، والتغيّر يرجع إلى المعلوم لا إلى العلم» ۵ .
قال تعالى: «تَنزِيلُ الْكِتَـبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّ نبِ وَ قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِ لَا إِلَـهَ إِلَا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ»۶
.
هذه الصفات التي لا يتّصف بها سوى اللّه ۷ ، فسياق الآية الكريمة ذكر (المغفرة والتوبة والعقوبة)؛ لدفع هذا الآخر أو ذاك من أعباء الذنوب الحاصلة في الحياة الدنيا بالإقرار أنّ اللّه ذو مغفرة واسعة ۸ ، ثمّ انتقل الخطاب القرآني إلى توحيد الذات «لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ»، ثمّ يعود إلى صفة القدرة «إِلَيْهِ الْمَصِيرُ»، هذه الصفة التي توحي باستباق الأحداث للوصول بهذا الآخر أو ذاك إلى اليقين المتحقّق في اليوم الموعود، الأمر الذي ناسب فيه بين صفتي العزّة والعلم في الآية الاُولى «الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»، وصفة المصير والرجوع في هذا اليوم الذي لا يعلمه إلّا هو.
ذكر الشيخ أنّ إرادة «اللّه ، الفعل، لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون، بلا لفظٍ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك، كما أنّه لا كيف له» ۹ .
لقد أنكر المعتزلة كلّ الصفات، سواء كانت حقيقية أم قديمة أم متميّزة عن الجوهر، وقالوا: هي مجرّد اعتبارات ذهنية، بل إنّهم قالوا: هي نفس الجوهر. ثمّ يقولون: لمّا كانت الذات الإلهيّة ذاتاً واحدة غير منقسمة، ونحن غير قادرين على إدراكها، تصوّرنا فيها هذه الاعتبارات الذهنية، وهي الصفات، وكلّ ما يطلقونه من الصفات إنّما يجعلونها أوجه لذات واحدة بسيطة، لا قسمة فيها ولا كثرة ولا تركيب.
لقد استخدموا العقل والأدلّة والحجج العقلية في تناول المسائل الكلامية، استطاعوا أن يحرزوا تأييد الخلفاء والأُمراء العبّاسيين، حتّى تمكّنوا في مدّة وجيزة أن ينشروا بدعة خلق القرآن بأمر المأمون، غير أنّ ذلك لم يدم طويلاً حتّى جاء عصر المتوكّل العبّاسي الذي أطاح بهم، وجعل كلّ من يقول بخلق القرآن دمه مهدور وهو كافر. لقد كان عمرو بن عبيد من أقرب الأصدقاء إلى الخليفة المنصور العبّاسي، وكان أبو الهذيل أُستاذا للمأمون ۱۰ .
أجمعت المعتزلة على أنّ للعالم محدثا قديما، قادرا، عالما، حيّا لا لمعان، ليس بجسم ولا عرض، ولا جوهر، عينا واحدا، لا يُدرك بحاسّة، عدلاً حكيما، لا يفعل القبيح ولا يريده، كلّف تعريضاً للثواب، ومكّن من الفعل، وأزاح العلّة، ولابدّ من الجزاء من وجوب البعثة حيث حسنت، ولابدّ للرسول من شرع جديد، أو إحياء مندرس، أو فائدة لم تحصل من غيره، وأنّ آخر الأنبياء محمّد صلى الله عليه و آله ، والقرآن معجزة له، وأنّ الايمان قول ومعرفة وعمل، وأنّ المؤمن من أهل الجنّة، وعلى المنزلة بين المنزلتين هو أنّ الفاسق لا يُسمّى مؤمنا ولا كافرا، إلّا من يقول بالإرجاء، فإنّه يخالف في تفسير الإيمان.
ثمّ قالوا: إنّ الفاسق يُسمّى مؤمنا، وأجمعوا أنّ فعل العبد غير مخلوق فيه، وأجمعوا على تولّي الصحابة، واختلفوا في عثمان بعد الأحداث التي أحدثها، فأكثرهم تولّاه، وتأوّل له، وأكثرهم على البراءة من معاوية وعمرو بن العاص، وأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأجمعوا على نفي الصفات الأزلية عن اللّه سبحانه، وقولهم بأن ليس للّه عزّ وجلّ علم ولا قدرة ولا حياة، ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية، بل قالوا: إنّ اللّه تعالى لم يكن في الأزل اسم ولا صفة.
أجمعوا باستحالة رؤية اللّه عزّ وجلّ بالأبصار، وزعموا أنّه لا يرى نفسه، ولا يراه غيره، واختلفوا فيه، هل هو راء لغيره أم لا، فأجازه قوم منهم، وأباه آخرون منهم.
وأجمعوا على حدوث كلام اللّه سبحانه ـ أي أنّ كلامه مخلوق ـ ، وحدوث أمره ونهيه وخبره، فزعم القدامى منهم بأنّ قول اللّه حادث، والمتأخّرون قالوا: إنّ كلامه مخلوق.
وأجمعوا بأنّ اللّه تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات، أي أنّ أفعال الحيوانات خارجة عن قدرة اللّه ، وقد زعموا أنّ الناس هم الذين يقدّرون أكسابهم، ولهذا سمّاهم المسلمون بالقدرية.
وأجمعوا على أنّ الفاسق من المسلمين هو بالمنزلة بين المنزلتين، وهي أنّه فاسق، لا مؤمن ولا كافر. وأجمعوا على أنّ كلّ ما أمر اللّه تعالى به أو نهى عنه من أعمال العباد، لم يشأ منها ۱۱ .
ذكر الشيخ قائلاً:
عن مبروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: لعن اللّه القدرية، لعن اللّه الخوارج، لعن اللّه المرجئة. لعن اللّه المرجئة . قال: قلت: لعنت هؤلاء مرّة مرّة، ولعنت هؤلاء مرّتين؟! قال: إن ّ هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون، فدماؤنا متلطّخة بثيابهم إلى يوم القيامة۱۲.
ثمّ أورد حديثا عن:
محمّد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل ين يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: لا تجالسوهم ـ يعني المرجئة ـ لعنهم اللّه ولعن مللهم المشركة الذين لا يعبدون اللّه على شيء من الأشياء۱۳.

۱.أمثال القرآن: ص ۴۰۰.

۲.مفاهيم قرآنية: ج ۱ ص ۱۲.

۳.الشورى: ۹.

۴.انظر: من وحي القرآن: ج ۲۰ ص ۱۵۱.

۵.الكافي: ج ۱ ص ۱۰۷.

۶.غافر: ۲ ـ ۳.

۷.انظر: صفوة التفاسير: ج۳ ص ۹۳.

۸.انظر فصّلت: ۴۳.

۹.الكافي: ج ۱ ص ۱۰۹.

۱۰.انظر: الكليني والكافي: ص ۲۹۱.

۱۱.انظر: الكليني والكافي: ص ۲۹۲.

۱۲.الكافي: ج ۲ ص ۴۱۰.

۱۳.المصدر السابق .

صفحه از ۲۸