الآخر في فكر الكليني، المعتزلة أُنموذجا - صفحه 8

المبحث الأوّل: الآخر في اللغة والاصطلاح

أوّلاً: الآخر لغةً
جاء في معجم العين:
تقول: هذا آخر، وهذه أُخرى... والآخر: الغائب.... وأمّا آخر فجماعة أُخرى ۱ .
أمّا في الصحاح فقد جاء:
الآخر ـ بالفتح ـ : أحد الشيئين، وهو اسم على افعل، والأُنثى أُخرى... وآخر: جمع أُخرى، وأُخرى تأنيث أخر، وهو غير مصروف، قال اللّه تعالى: «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»۲۳ .
وقد قال صاحب اللسان:
والآخر: بمعنى غير، كقولك: رجل آخر وثوب آخر، وأصله افعل من التأخّر، فلمّا اجتمعت همزتان في حرفٍ واحد استُثقلتا، فأُبدلت الثانية ألفاً؛ لسكونها وانفتاح الأُولى قبلها... وتصغير آخر أويخر، وجرت الألف المخفّفة عن الهمزة مجرى ألف ضارب، وقوله تعالى: «فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا»۴ ، فسّره ثعلب فقال: فمسلمان يقومان مقام النصرانين، وقال الفرّاء: معناه أو آخران من غير دينكم من النصارى واليهود... والجمع بالواو والنون، والأُنثى أُخرى ۵ .
ويبدو أنّ أصل اشتقاق هذا اللفظ يرجع إلى معنى التأخّر الذي هو ضدّ التقدّم؛ لأنّ (الغير) يأتي لاحقاً للأصل وخلافاً له، يقول ابن فارس:
الهمزة والخاء والراء أصل واحد ترجع فروعه وهو خلاف التقدّم، وهذا قياس أخذناه عن الخليل ۶ .
أمّا في تاج العروس فقد ورد:
الآخر: بمعنى غير، كقولك: رجل آخر وثوب آخر، وأصله افعل من تأخّر؛ فمعناه أشدّ تأخّراً، ثمّ صار بمعنى المغاير. وقال الأخفش: لو جعلت في الشعر آخر مع جابر لجاز... وقد جمع امرؤ القيس بين الآخر وقيصر بوهم الألف همزة ۷ ، فقال ۸ :
إذا نحن سرنا خمسَ عشرة ليلةٍوراء الحِساءِ مِن مَدافِعُ قَيصرا
إذا قلتُ هذا صاحبٌ قد رضيتُهُوقَرّت به العينان بُدِّلتُ آخرا
ويضيف الأصفهاني (ت 502 ه ) في مفرداته:
إنّ مدلول الآخر في اللغة خاصّ بجنس ما تقدّمه، فلو قلت: جاءني رجل وآخر معه، لم يكن الآخر إلّا من جنس ما قلته ۹ .
لقد أجمعت المعاجم أنّ «الآخر» يأتي بمعنى الغير، سواء أكان إنساناً او شيئاً آخر، وتشمل تلك المغايرة العدد والماهيّة ۱۰ . أمّا في القرآن الكريم فقد وردت لفظة «آخر» بعدّة صيغ:
في صيغة المفرد المذكّر (آخر) وردت في (15) موضعاً، منها قوله تعالى: «إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْأَخَرِ»۱۱ .
في صيغة المفرد المؤنّث (أخرى) وردت في (23) موضعاً، منها قوله تعالى: «أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى»۱۲ .
في صيغة المثنّى (آخران) وردت في موضعين، منها قوله تعالى: «اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ»۱۳ .
في صيغة الجمع (أخَر) وردت في خمسة مواضع، منها قوله تعالى: «مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»۱۴ .
في صيغة الجمع (آخرون) فقد وردت في (5) مواضع، منها قوله تعالى: «وَ ءَاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَــلِحًا»۱۵ . أمّا في صيغه الجمع (آخرين)، فقد وردت في (17) موضعاً، منها قوله تعالى: «سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ»۱۶ .
يتّضح من خلال ما تقدّم أنّ لفظة «الآخر» جاءت بصيغها كلّها في القرآن الكريم، عدا جمع المؤنّث السالم (أُخريات)، وقد أوحت تلك الصيغ على أنّ الآخر هو الشيء أو الشخص المغاير بالجنس أو النوع أو الصفة.
ثانياً: الآخر اصطلاحاً
ليس من شك أنّ عملية اكتشاف الآخر لا تتمّ بمعزلٍ عن الأنا والذات، فأينما وُجِد الآخر فالأنا بشكل بديهي تكون مقابلاً لهذا الآخر ۱۷ . هذا وسنسعى إلى تلمّس مفهوم الآخر في الدراسات الدينية بصورة عامّة وعند الشيخ الكليني بصورة خاصّة.
إنّ ما يؤسّسه الخطاب حول الآخر هو: «خطاب حول الاختلاف، فإنّ التساؤل فيه ضروري حول الأنا أيضاً، ذلك أنّ هذا الخطاب لا يقيم علاقة بين حدّين متقابلين، وإنّما علاقة بين آخر وأنا متكلّم عن هذا الآخر، وتناول الاختلاف لا يفضي إلى نفي الجدلية بين الذات والآخر، ولا إلى جوهرة الهوية» ۱۸ . هذا وقد ركّزت الدراسات الفلسفية والاجتماعية والنفسية على مستويات الآخر بالدراسة والبحث بحسب الاختلاف الفكري أو العرقي. ۱۹

1.كتاب العين: ج ۴ ص ۳۰۳ ـ ۳۰۴.

2.البقرة: ۱۸۵.

3.الصحاح: ج ۲ ص ۵۷۶ ـ ۵۷۷.

4.المائدة: ۱۰۷.

5.لسان العرب: ج ۴ ص ۱۲ ـ ۱۳ «آخر»، وانظر: القاموس المحيط: ج ۱ ص ۳۶۳ «الآخر».

6.معجم مقياس اللغة: ص ۴۸.

7.تاج العروس: ج ۱۰ ص ۳۳ ـ ۳۴.

8.ديوان امرئ القيس: ص ۶۹.

9.مفردات غريب القرآن: ص ۹۶.

10.انظر: كشّاف اصطلاحات الفنون: ص ۶۷.

11.المائدة: ۲۷، وانظر: يوسف : ۳۶، ۴۱، الحجر: ۹۶، الإسراء: ۲۲، ۳۹، المؤمنون: ۱۴، ۱۷، الفرقان: ۶۸، الشعراء: ۲۱۳، القصص: ۸۸، ص ۵۸، ق: ۲۶، الذاريات: ۵۱، التوبة: ۱۰۲.

12.البقرة :۲۸۲، وانظر: آل عمران: ۱۳، النساء: ۱۰۲، الأنعام: ۱۹، ۱۶۴، الإسراء: ۱۵، ۶۹، طه: ۱۸، ۲۲، ۳۷، ۵۵، فاطر: ۱۸، الزمر: ۷، ۴۲، ۶۸، الفتح: ۲۱، الحجرات: ۹، النجم: ۱۰، ۱۳، ۳۸، ۴۳، الصفّ: ۱۳، الطلاق: ۶.

13.المائدة: ۱۰۶.

14.آل عمران: ۷، وانظر البقرة: ۱۸۴، ۱۸۵، يوسف: ۴۳، ۴۶.

15.التوبة: ۱۰۲، ۱۰۶، وانظر: الفرقان: ۴، المزمّل: ۲۰.

16.النساء: ۹۱، وانظر: النساء: ۱۳۳، المائدة: ۴۱، الأنعام: ۶، ۱۳۳، الأنفال: ۶۰، الأنبياء: ۱۱، المؤمنون: ۳۱، ? ۴۲، الشعراء: ۶۴، ۶۶، ۱۷۲، الصافات: ۸۲، ۱۳۶، ص: ۳۸، الدخّان :۲۸، الجمعة :۳.

17.انظر في مسألة الآخرية: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، مركز الوحدة العربية: ص ۲۲.

18.المصدر السابق: ص ۲۱.

19.انظر: جمالية الخطاب القرآني دراسة في صورة الآخر لحسين عبيد: ص ۲۲ ـ ۲۶.

صفحه از 28