مع الكلينى وكتابه "الكافى" - صفحه 67

المسلمين نقيا صافيا، لم تشُبْه بِدَعُ الأوّلين، فكان بحقٍّ ذلك الرجل الفذّ والأوحديّ الفرد الذي تمكّن من إعادة الروح إلى الإسلام كما كان فى عهده الأول، بعد أن غذّاه بلُبان التوحيد الخالص، ونزع عنه كلّ لباس لم يمتّ بصلة إليه، مع تثبيت قواعده على أقوم الأسس وأرسخها، وقيادة التثقيف الإسلامى على أوسع نطاق كما نلحظه فى كثرة الوافدين إلى جامعته الإسلامية الكبرى من شتّى أمصار المسلمين، وقد قُدِّر لبعض من تلامذته أن يكونوا قادةً لمذاهب إسلامية لم تزل قائمة إلى اليوم.لقد رفع الإمام الصادق عليه السلام لواء العلم، ونادى بشعار التدوين عاليا، وهتف بطلّاب جامعته الكبرى قائلاً: «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا» ۱ و: «احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها». ۲ وكان من نتائج هذه الدعوة الصريحة إلى التدوين أن تصدّى المئات من تلامذته عليه السلام إلى التأليف والتصنيف فى شتّى حقول العلم والمعرفة. لا سيما علوم الشريعة الغرّاء، فأضافوا بذلك إلى مدوّنات الحديث الشيعية فى المراحل السابقة المئات من الكتب كالاُصول الأربعمائة ونحوها من المصنّفات التى أصبحت مع غيرها من مؤلّفات أصحاب الأئمة عليهم السلام فى المراحل اللاحقة، الحجر الأساس الذى ابتنيت عليه المجاميع الحديثيّة المتأخّرة عند الشيعة الإمامية فى القرنين الرابع والخامس الهجريين.وبالجملة، فإنّ كتب الحديث الأربعة المعروفة (الكافى، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار) قد سُبقت بتراث حديثيّ شيعيّ ضخمٍ اشتركت فى بنائه نخبة من ثِقات أصحاب الأئمة، ابتداءً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، وانتهاءً بوفاة الإمام العسكريّ سنة (260ق) عليه السلام . وقد أحصى الحرّ العاملي ذلك التراث فوجده أكثر من ستة آلافوخمسمائة كتاب. ۳ وقد وصل بعض هذا التراث إلينا وفُقِدَ معظمه على أثر الظروف القاسية التى مرّ بها أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، والتى توّجت على يد الطغاة بحرق مكتباتهم العظمى فى بغداد ومصر فى عصرى السلاجقة والأيوبيين.ولعلّ الذى يخفّف من وطأة ضياع معظم تلك المدوّنات بما فى ذلك أغلب

1.اصول الكافى، ج ۱، ص ۱۰۳، ح ۹، باب ۱۷.

2.اصول الكافى، ج ۱، ص ۱۰۳، ح ۱۰، باب ۱۷.

3.وسائل الشيعة، ج ۳۰، ص ۱۶۵، الفائدة الرابعة من الخاتمة.

صفحه از 140