مع الكلينى وكتابه "الكافى" - صفحه 78

وقد أغرب بعضهم حين تساءَ لَ عن سرّ توثيقه وإطرائه من قبل أعلام الشيعة، مع هذه المخالفة منه لإمام العصر (أرواحنا فداه)، ولم يَعِ الوجه فى ذلك، فظنّ مُنافاة التوثيق للخروج إلى الحج بعد المنع منه! ولم يلتفت إلى أنّ التوثيق الرجالى أعمّ من هذه الاُمور، كما هو صريح توثيقاتهم حتى لمن انحرف عن أئمة الهدى عليهم السلام ، نظير توثيقاتهم للواقفة، والفطحيّة، والزيديّة ونحوهم.على أنّ الحج ليس محرّما، والاستئذان فيه من الإمام عليه السلام ليس واجبا، وإنّما مثله كمثل الاستخارة أو الاستشارة إذ تجوز فيهما المخالفة وإن كان الأولى التقيّد بهما.
ومن هُنا يتّضح أنّ المنع لم يكن بنحو لازم، ولو فُرض كونه كذلك فلا مُنافاة بين مخالفته وبين التوثيق من كلّ وجه.والمهمّ أنّ اُمّ الشيخ الكلينى كانت ذات نشأة جيّدة فى بيت جُلّ رجالاته من حملة حديث أهل البيت عليهم السلام ، فلا غَرْوَ إذن أن يجد وليدها الذى عاش فى أحضان تلك الاُسرة ما أوصله إلى مصافّ المجدّدين فى الإسلام.

أسفاره ورحلاته:

اعتاد بعض المحدّثين كالشيخ الصدوق رحمه الله أن يذكر أحيانا كثيرة فى أوائل السند ما يدلّ على أسفاره ورحلاته كأن يقول: حدّثنا فلان فى الكوفة، أو بغداد، وقد يذكر وقت سماعه الحديث ويحدّده بالسنة، أو الشهر والسنة أحيانا. وهذه الطريقة تسهّل كثيرا على الباحث معرفة أسفار ورحلات الشيخ الصدوق، ولكن ليس الحال كذلك عند الشيخ الكلينى الذى لم يذكر ولا مرّةً واحدة فى الكافى مثل ذلك، وهذا لا يعنى عدم التعرّف على مجمل أسفاره ورحلاته العلميّة، وإن بقيت تفاصيلها طيّ الكتمان.ولعلّ فى تتبّع مشايخه ما يُبيّن سعة رحلته فى طلب العلم، والتى كان منطلقها من قريته (كُلَيْن).
فبعد أنْ استوعب ما عند مشايخها من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، كعليّ بن محمّد الكليني، ومحمّد بن عقيل الكلينى وغيرهما، اتّجه إلى الريّ لقُربها من كُلَيْن، فاتّصل بمشايخها الرازيّين، وحدّث عنهم، كالحسين بن الحسن العلويّ الرازي، ومحمّد بن

صفحه از 140