مع الكلينى وكتابه "الكافى" - صفحه 80

من جميع الأمصار، ومستوطن السفراء الأربعة رضى اللّه تعالى عنهم. على أنّه طارت شهرته إلى بغداد قبل وصوله إليها، إذ عرف واشتهر فى الريّ قبل مغادرتها كما تومئ إلى ذلك عبارة النجاشي فى ترجمته، قال: «شيخ أصحابنا فى وقته بالريّ ووجههم»، وهذا يبطل ما قد يزعم من عدم شهرته فى الرى، وإنّما عرف واشتهر فى بغداد!كيف ولثقة الإسلام مؤلّفات قيّمة قبل الكافى الذى استغرقَ عشرين عاما؟ ولا شكّ أنّها كانت كلّها قد اُلِّفت قبل وصوله إلى بغداد، لكون الكافى آخرها تأليفا، فلابدّ حينئذ من اطّلاع الرازيين والقميّين بل وحتى البغداديين والكوفيين بحكم حرية الانتقال وكثرة الوافدين إلى بغداد والكوفة من القميين والرازيين على تراث الكلينى، مع وصول أخباره إليهم ونشاطه وتعليق الآمال عليه فى تجميع تراث أهل البيت عليهم السلام وتتبّع موارده وشوارده واختيار الصحيح منه. ولكن السطحية فى البحث قد تؤدّى إلى مثل هذا التشويه وقلب الحقائق وتزييف الوقائع، مما ينبغى على الباحث التأمّل فى نتائج ما يقول قبل أن يكتب.ومما يقطع بشهرته الواسعة فى الرى ومعرفة البغداديين عن كثب بمنزلته الرفيعة وعلوّ كعبه على أقرانه، انّه لم يتتلمذ على أحد من مشايخ الشيعة فى بغداد إلاّ على العاصمى أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة البغدادى، ولم يأخذ من مشايخه الشيعةالكوفيّين إلّا عن عدد ضئيل كابن عقدة الحافظ (ت / 333ق)، ومحمّد بن على بن معمر الكوفى وغيرهما، على الرغم من كثرتهم فى ذلك الحين، وإنّما كان أغلب مشايخه من بلاد الرى وما جاورها كقم وغيرها.
وإنْ دلّ هذا على شى ء إنّما يدلّ على بلوغ الكلينى درجة عالية من الفقه والحديث ونحوهما قبل الوصول إلى بغداد بحيث بوّأته شهرته لأن يكون فى بغداد القطب الذى تدور حول محوره أحاديث الشيعة وفقههم.ولعلّ فى احتفاف الكثير من طلبة علوم الشريعة حوله فى بغداد من الشيعة وغيرهم كما سيأتى يدلّ على تتبّع الناس آثاره، وشغفهم فى تلقّف علومه وأفكاره، ولكن التفسير الغبى قد يجعل من التفاف الناس حول شخص فى مكان دليلاً على شهرته فى ذلك المكان دون غيره، وهو كما ترى!

صفحه از 140