أوّلاً : مع اللغة
1 ـ العنعنة لغةً :
قال الخليل : يُقال : « مَنْ تركَ عنعنةَ تميمٍ وكشكشةَ ربيعة ، فهم الفُصحاء » .
أمّا تميم فإنّهم يجعلون بدل الهمزة العين ، قال شاعرهم :
إنّ الفؤادَ على الذلقاء قد كمداوحُبُّها موشِكٌ عَنْ يصدعَ الكَبِدا
وربيعة تجعل مكان الكاف المكسورة شِينا ۱ .
وقال ابن منظور : عنعنة تميم : إبدالُهم العين من الهمزة ، كقولهم : « عَنْ » يريدون : « أنْ » ۲ .
وقال ابن هشام : وكذا يفعلون في « أنّ » المشدّدة ۳ .
قال الفرّاء : لغةُ قريش ومَنْ جاورهم : « أنّ » ، وتميم وقيس وأسد ومَن جاورهم يجعلون ألف « أنّ » إذا كانت مفتوحةً « عينا » ، يقولون : « أشهد عَنَّكَ رسولُ اللّه » .
قال ابن الأثير : كأنّهم يفعلونه لِبَحَحٍ في أصواتهم ۴ .
وقال الفيروز آبادي في معاني « عَنْ » المخفّفة : . . . وتكونُ مصدريّةً ، وذلك في عنعنة تميم : « أعجبني عَنْ تفعلَ » ۵ ؛ فهي بمعنى « أنْ » الناصبة للفعل المضارع .
وقال الزَبِيدي : وعنعنةُ المحدّثين مأخوذةٌ من عنعنة تميم ، قيل : إنّها مولَّدة ۶ .
أقول :
عنعنعة المحدّثين مصدر جَعليّ ، أي مولَّد يقينا ، إذ هي مأخوذة من « عَنْ » الّتي هي حرف جرٍّ موضوعٌ في اللغة العربية للدلالة على المجاوزة كما سيأتي ، ومعنى العنعنة عندهم هو كون السند محتويا على كلمة « عَنْ » بدلاً عن ألفاظ الأداء الأُخرى ، وسيأتي تفصيل ذلك ، فلا رَبْطَ لعنعنة المحدّثين بعنعنة تميم ، ولم يقصد المحدّثون هذا أصلاً .
ومن طرائف الإسناد ما رواه الخطيب البغدادي في الكفاية باب : « اتّباع المحدّث على لفظه وإنْ خالَفَ اللغةَ الفصيحة » :
في حديث عبد العزيز ، قال : ثنا محرز بن وزر « عَنَّ » أباه وزرا ، حدّثه « عَنَّ » أباه عمران ، حدّثه « عَنَّ » أباه شعيثا ، حدّثه « عَنَّ » أباه عاصما ، حدّثه « عَنَّ » أباه حصين بن مشمت ، حدّثه . . . الحديث .
قال الخطيب : رواه أحمد بن عبدة الضبّي عن محرز بن وزر ، فقال : إنّ « أنّ » بدل « عَنَّ » في كلّ المواضع ، وعبد العزيز أبدلَ في روايته من الهمزة عينا ، وهي الّتي يُقال لها : « عنعنة قيس » على وجه الذمّ ، وهم معروفون بها ۷ .
1.العين للخليل بن أحمد الفراهيدي : ج ۱ ص ۹۱ مادّة « عنن » ؛ وانظر : فقه اللغة للثعالبي : ص ۱۲۹ باب ۱۵ فصل ۲۹ .
2.لسان العرب : ج ۴ ص ۳۱۴۳ مادّة « عنن » .
3.مغني اللبيب : ج ۱ ص ۱۹۸ ـ ۱۹۹ .
4.لسان العرب : ج ۴ ص ۳۱۴۳ مادّة « عنن » .
5.القاموس المحيط : ج ۴ ص ۲۵۲ مادّة « عنن » .
6.تاج العروس : ج ۹ ص ۳۸۵ آخر مادّة « عنن » .
7.الكفاية في علوم الرواية : ص۲۸۲ ـ ۲۸۳ .