3 ـ المعنعَن بين الإرسال والتعليق :
ويظهر من التعريف أنّ الحديث المعنعن إنّما يُطلَق على ما ذُكر سنده ، ولكن استُعمل فيه « عن » بَدَلَ لفظ التحمّل والأداء ، مثل : « حدّثنا » و « أخبرنا » ، فهو إذاً « مُسْنَدٌ » وليس « مُرْسَلاً » ، بمعنى أنّه ممّا ذُكِرَ سَنَدُه ، وليس ممّا لا سَنَدَ له . وقد أحسن المحدّث الجزائري حيث قال : المعنعَن المسمّى بالمسنَد ۱ . وقال : المسند ما اتّصلت روايته بذِكر الراوي حتّى يتّصل بالمرويّ عنه ، ويُسمّى المعنعن والمتّصل ۲ .
وقد صَرّح الحاكم : أنّه لا يُسمّى مرسَلاً ۳ وإن نقل عن بعض المصنّفات في أُصول الفقه عَدّهُ من أنواع المرسَل ۴ . نعم ، يُطلق عليه المنقطع بناءً على رأيٍ في العنعنة ، كما سيأتي .
وبحكم المسند ، ما حُذف سندُه مصرّحا بكونه « معنعَنا » ، كما فعله الناسخ لكتاب تفسير فرات الكوفي ، حيث عمد إلى حذف أكثر الأسانيد ، مكتفيا بقوله : « فلان معنعنا عن فلان » ۵ فإنّه يدلّ على كون الحديث في الأصل مذكور السند ، إلّا أنّه كان بالعنعنة ، ولكنّ الناسخ حذفه مصرّحا بذلك ، فهو أشبه شيء بالتعليق عند المصنّفين ۶ .
ويدلّ على ذلك أنّ أحاديث ذلك الكتاب إنّما هي مسندة ، وقد ثبت وجود ثلّة منها مع الأسانيد المتّصلة في مصدرها ، ومن الطرق الّتي روى بها فراتٌ نفسه ، وقد تأكّدنا من هذه الحقيقة عندما عثرنا على تفسير الحِبَريّ شيخ فرات الكوفيّ ، الّذي هو من مصادره المباشرة ، فوجدنا جميع ما رواه فرات عنه في الكتاب بلفظ « معنعنا » قد ثبت في كتاب الحبريّ مسنَدا متّصلاً ۷ .
فجميع ما قيل فيه : « معنعنا » لا بُدّ أن يُعَدّ من المسنَد ، لا المرسَل على المشهور بين أهل الفنّ . نعم ، هو من قبيل « المعلّق » في ابتناء حكمه على مراجعة محلّ آخر لمعرفته ، وهذا غير مصطلح الإرسال ، كما لا يخفى .
1.عوالي اللآلي : ج ۱ ص ۱ .
2.المصدر السابق : ج ۴ ص ۱۳۷ .
3.معرفة علوم الحديث : ص ۲۸ .
4.علوم الحديث لابن الصلاح : ص ۵۳ .
5.لاحظ : تفسير فرات الكوفي ، طبع النجف .
6.بل عرفت أنّ ابن حجر عدّ بعض عنعنات البخاري من المعلَّق .
7.لاحظ : تفسير الحبري ، هوامش المتن .