45
العنعنة

العنعنة
44

5 ـ العنعنةُ وطرق التحمّل والأداء :

قال ابن الصلاح : وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال « عَنْ » في الإجازة ، فإذا قال أحدهم : « قرأتُ على فلان عن فلان » أو نحو ذلك ، فظُنّ به أنّه رواه عنه بالإجازة ، ولا يخرجه ذلك عن قبيل الاتّصال ، على ما لا يخفى ۱ .
وهذا صريح في أنّ ارتباط « عن » بالإجازة من الطرق ، إنّما هو اصطلاح خاصّ بالمتأخّرين عن القرن السابع ؛ لأنّ ولادة ابن الصلاح كانت سنة 577 ، وألّف كتابه سنة 634 ، وتوفّي سنة 643 ، فقوله : « في عصرنا وما قاربه » لا يتقدّم على القرن السابع كثيرا .
ومع هذا ، فإنّ العبارة المذكورة تدلّ على حكمه بالاتّصال ، مع حكمه بكون الطريق هي الإجازة ، والوجه فيه : أنّ الإجازة في عصره كانت قد استقرّت بشكلٍ نهائيّ ، واتّخذتْ مقامها السامي بين المحدّثين ، وهي على ما قرّرنا في كتابنا إجازة الحديث من أوثق طرق التحمّل في أداء مهمّتها ، وهي تصحيح نسبة كتب الحديث وغيره مع الضبط التامّ ، وقد وُضعت ثالثة الطرق بعد السماع والقراءة ، بل في المحدّثين مَن قارنها بالسماع ، كما فُصّل في محلّه .
بل إنّ ابن الصلاح جعل الحكم بالاتّصال دائرا مدار وجود الإجازة ، فيما نقله عنه جلال الدين السيوطي أنّه قال وهو يتحدّث عن اتّصال المعنعن : ولا أرى هذا الحكم يستمرّ بعد المتقدّمين ، فيما وجد من المصنّفين في تصانيفهم ممّا ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه : « ذكر فلان » أو « قال فلان » أي فليس له حكم الاتّصال ما لم يكن له من شيخه إجازة ۲ .
هذا ، وأمّا ما يرتبط بتراثنا الإماميّ :
فقد ذكر الإمام عزّ الدين والد البهائي معقّبا كلام ابن الصلاح : وأمّا عندنا ، فالذي يظهر أنّه يُستعمل في الأعمّ منها ومن القراءة والسماع ۳ .
وقال الداماد معقّبا ابن الصلاح ، كذلك : ولعلّ ذلك في عصره ، وفي اصطلاحات أصحابه واستعمالاتهم ، وأمّا عندنا وفي أعصارنا وفي استعمالات أصحابنا ، فأكثر ما يُراد بالعنعنة : الاتّصال ۴ .
أقول :
وأمّا بالنسبة إلى المتقدّمين وهم مَنْ قَبل الخمسمئة ۵ ، فقد عرفت إجماعهم على أنّ « عَنْ » إنّما يُراد بها الاتّصال قطعا ، من دون تفريق فيه بينَ الطرق ، ولو ثبت تخصيص القدماء لفظة « عَنْ » بالإجازة ، فحكمهم بإرادة الاتّصال منها دليل على اعتبارهم للإجازة طريقا صحيحة مؤدّية مثل ما يُراد من السماع وغيره من الطرق المعتبرة في النقل والرواية .
كما إنّ كون « عَنْ » خاصّةً بالإجازة ، يقتضي كون الإجازة من أقدم الطرق وأهمّها ، حيث إنّ العنعنة مستعملة حتّى في نهايات الأسانيد ، ومع أسماء المعصومين ، وأصحابهم الكرام ، ولا ريب أنّ استعمالهم لها دليل على اعتمادهم عليها واعتبارهم لها من الطرق الوافية بغرض الرواية ، لا العكس كما يحاول أن يوهمه بعض المتطفّلين على موائد الفقه والحديث ، وسيأتي ذِكر شُبهته في فصل « الإشكالات على العنعنة » .

1.علوم الحديث : ص ۶۲ .

2.تدريب الراوي : ج ۱ ص ۲۱۵ .

3.وصول الأخيار : ص ۱۰۱ .

4.الرواشح السماوية : ص ۱۲۸ .

5.كما سيأتي عن الصنعاني في توضيح الأفكار : ج ۱ ص ۳۳۶ .

  • نام منبع :
    العنعنة
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 93514
الصفحه من 173
طباعه  ارسل الي