101
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

السبب الثالث ـ توفّر بعض المراكز المهمّة للشيعة:

لقد توفّرت في هذا العصر بعض المراكز الاجتماعية المهمّة للشيعة كنقابة الطالبيين، حيث كان للنقيب يوم ذاك ثقله الاجتماعي الكبير بحيث يمكن له التفاوض مع الاُمراء ووجوه الدولة في رفع ما يمكن رفعه من ضغوط سياسية أو اقتصادية على الشيعة، هذا مع احتلال بعض المراكز الحيوية والرسمية في الدولة من قبل بعض الشيعة لخدمة إخوانهم المؤمنين، كديوان الكتابة، والوزارة.
وقد حفظت كتب الرجال أسماءهم لاسيّما الوزراء منهم، كآل وهب الشيعة، وهم بيت الوزارة ببغداد في عصر الكليني، وأوّل من استوزر منهم سليمان بن وهب ثالث وزراء المعتمد العبّاسي، ثمّ ابنه عبيداللّه بن سليمان وزير المعتضد العبّاسي ۱ .

السبب الرابع ـ دور الغيبة الصغرى في انتشار التشيّع ببغداد:

تعتبر فترة الغيبة الصغرى لإمام العصر والزمان عليه السلام (260 ـ 329 ه ) من أكثر الفترات خطورة في تاريخ الفكر الشيعي، إذ تحوّلت مسؤولية التشيّع في هذا العصر ـ وهو العصر الذي وُجِدَ فيه الكليني قدس سره ـ على عاتق عدول الفقهاء من الشيعة، والمعلوم أنّه انبثقت في تلك الفترة مدعيات كثيرة باطلة في دعوى النيابة عن الإمام عليه السلام والسفارة له.
ولا شكّ بمعرفة ثقة الإسلام الكليني لسائر تلك المدعيات التي ظهرت في عصره، ورأى ـ طاب ثراه ـ كيف أغرى اُولئك المنافقون بعض الجهلة بادّعاء الوكالة أو النيابة عن الإمام عليه السلام ، كما هو حال المنافقين في كلّ عصر وجيل، ورأى كيف كانت نهايتهم الوخيمة كالشلمغاني لعنه اللّه ، وغيره من الحثالات الكذّابين.
ونتيجة لتلك الظروف القاسية تشوّفت نفوس الشيعة إلى بغداد دون غيرها، وتاقت أفئدتهم شوقا إلى زيارتها من كلّ مكان؛ لتتطلّع بلهفة وتترقّب بوجد عظيم ما يخرج على أيدي اُمناء الاُمّة والدين وأركان الحقّ الأربعة (رضي اللّه تعالى عنهم) من وصايا وإرشادات وتوجيهات الإمام المهدي عليه السلام ، ومن هنا كانت الوفود العلمائية الشيعية تترى إلى بغداد من كلّ مكان، كما كانت بغداد مقصدا لأقطاب الشيعة، وفقهائهم، وأعيانهم، ومحدّثيهم، ورواتهم الذين جاءوها من اليمن، ومصر، والكوفة، والبصرة، وقم، والريّ ، وهمدان، والأهواز، ونيسابور، وخراسان، وقزوين وغيرها؛ ليتجسّسوا ـ على حذر ـ أخبار الغائب المنتظر عليه السلام في ذلك العصر، من خلال الالتقاء المباشر بسفرائه البررة الذين قاموا بدورهم في إيصال صوت الإمام الحجّة عليه السلام إلى جميع قواعده الشعبية.
وكانت تخرج التوقيعات الشريفة الصادرة من الناحية المقدّسة على أيديهم الشريفة من بغداد لا غير.
وفي الكتب الواصلة إلينا ويأتي في طليعتها الكافي الشريف، وإكمال الدين ، وكتب الغيبة، وغيرها؛ أدلّة كافية وكثيرة تعبّر عن قيام السفراء الأربعة رضي اللّه تعالى عنهم بتحمّل أعباء كامل المسؤولية في تلك المرحلة العصيبة في تاريخ التشيّع، وفيها ما يدلّ على الدور الثقافي والفكري الذي لعبه فقهاء وأعلام الشيعة، وحملة أحاديثهم، سواء الذين كانوا من أهل بغداد أصلاً أوسكنا أو الذين أتوها زرافات ووحدانا من كلّ فجٍّ عميق.
ولا شكّ أنّ كثرة التقاء العلماء في مكانٍ واحد وعلى مدار ما يقرب من سبعين عاما ـ وهو زمان الغيبة الصغرى ـ مدعاة لنشر أفكار هذا الجمع، خصوصا إذا ما وجد له أرضا صالحة لينمو ويكبر ويغدق فيها، كما هو الحال في كرخ بغداد المعروفة بتشيّعها وأعلامها منذ بناء بغداد وإلى اليوم.

1.. الذريعة : ج ۲۶ ص ۹۷ الرقم ۴۵۸، في حديثه عن كتاب: البرهان في وجوه البيان لأبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الشيعي (ت / ۳۳۴ ه )، وهو أوّل رجل ـ فيما نعلم ـ اعتمد على كتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني كما سيأتي في مؤلّفات ثقة الإسلام. وأمّا عن الوزراء الشيعة في العصر العبّاسي الأوّل فهم: الحسن بن راشد، والربيع بن يونس، وعلي بن أبي نصر، وعلي بن يقطين والقاسم بن عروة فيما تتبّعناه.


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
100
  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305000
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي