121
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

1 ـ الكليني:

وهو نسبة إلى «كُلَيْن» على وزن فُعَيْل، كَزُبَيْر، قرية من قرى الريّ، وسيأتي ضبطها على لسان أهلها، مع تحديد موقعها الجغرافي بدقّة. وهذا اللقب من أشهر ألقاب الشيخ محمّد بن يعقوب المكانية قاطبة، ومن شهرته أنّه غلب على اسمه، ولا ينصرف على أحد ـ عند الإطلاق ـ إلّا إليه، على الرغم ممّن تلقّبوا به قبله أو بعده.
هذا.. وقد حُرِّف لقب (الكُلَيني) إلى (الكوليني) في كتاب تاريخ الأدب العربي للمستشرق كارل بروكلمان إذ قال: «وفي أوائل القرن الرابع الهجري كان مجدّد فقه الإمامية ، هو أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكوليني الرازي» ۱ .
وقد يكون السبب في هذا رداءة الترجمة ويقرب من هذا الاحتمال، أنّ حركة ضمّ الكاف في (الكُلَيني) يُعَبّر عنها في اللغة الإنجليزية بالحرف (o) الذي يلفظ واوا مخفّفةً، وعلى هذا تكون كتابة اللقب المذكور في تلك اللغة هكذا: ( Al - Koleini )، وهذا ما يقرِّب من احتمال اشتباه يعقوب بن بكر ورمضان عبدالتوّاب بتعريب هذا اللفظ إلى (الكوليني)، خصوصا وهما ممّن لا يتوقّع منهما الدقّة في ضبط مثل هذه المطالب.
جدير بالذكر أنّ قرية كلين اختلف العلماء في ضبطها كثيرا، كما اختلفوا في تحديد موقعها الجغرافي أيضا، الأمر الذي لابدّ من تناوله تحت عنوان:

ضبط اسم كلين وتحديد موقعها الجغرافي بدقّة:

اختلف العلماء ـ من الفريقين ـ في ضبط اسم تلك القرية (كلين) بين ضمّ الكاف وإمالة اللام، وبين فتح الكاف وكسر اللام، وبين كسرهما معا، وقد أضاف بعضهم ياءً ثانية لها لتكون (كيلين)، وهكذا.
كما اختلفوا كثيرا في تحديد موقعها الجغرافي، تبعا لتعدّد القرى التابعة للريّ التي تحمل اسم كلين.
ولمّا كانت ولادة الشيخ الكليني في قرية كلين، وقبر والده الشيخ الجليل يعقوب بن إسحاق الكليني لم يزل في تلك القرية على ما صرّح به جملة من العلماء، لذا تطلب الأمر التحرّي الدقيق عن تلك القرية لا في بطون الكتب لما فيها من اختلاف شديد ۲ ، وإنّما على أرض الواقع، إذ لا برهان أرقى من المشاهدة والعيان، وهو ما قمت به أثناء كتابة هذا الفصل.
ففي يوم الأحد الموافق 12 ربيع الأوّل / 1425 ه تحرّكت من قم إلى طهران بهدف التعرّف على تلك القرية وزيارة قبر الشيخ يعقوب بن إسحاق الكليني رحمه اللهالمدفون فيها بعد جمع المعلومات الكافية التي تدلّني على موقع تلك القرية بالضبط، وفيما يأتي وصف دقيق لموقعها الجغرافي:
تقع قرية كُلَيْن (بضمّ الكاف وفتح اللام وسكون الياء ثمّ نون) إلى الجنوب من مدينة الريّ التابعة لطهران العاصمة، وتتبع (كُلَينْ) إداريا في الوقت الحاضر إلى مدينة حسن آباد الواقعة على طريق (طهران ـ قم) على يسار القادم من طهران، ويبعد مدخلها عن طهران بمسافة قدرها (35) كيلومتر، وعن قم (91) كيلومتر.
وقد وجدت في مركز مدينة حسن آباد عناية ملحوظة بتخليد اسم الشيخ يعقوب الكليني، إذ سُمّيت باسمه رحمه الله حوزتها العلمية، مع متنزَّه باسمه في وسطها، وكذلك تسمية أحد شوارع المدينة ـ وهو شارع رقم / 31 ـ باسم الشيخ يعقوب بن إسحاق الكليني.
ومن مدخل المدينة إلى رأس هذا الشارع مسافة (4) كيلومتر، وهو يقع على يمين الشارع العام لمنطقة حسن آباد، وقد عُبِّد بالإسفلت مسافة (12) كيلومتر، وما بعدها يكون ترابيا، وعرضه داخل المدينة بحدود (40) متر، وطوله فيها كيلومتر واحد، ثمّ يضيق بعد ذلك إلى مسافة تسع لحافلتين فقط.
وأوّل القرى الواقعة على يمين الشارع هي قرية زيوان، وهي تبعد عن حسن آباد بمسافة قدرها (2) كيلومتر، وفيها مرقد وسط مقبرة لأهل تلك القرية، وقد كتب عليه (مرقد سيد مطهر حضرت سيد إسماعيل زيوان) واسم المتولّي لشؤون المرقد هو القيّم حسين زارع علي ميرزا، وقد سألته عن صاحب المرقد فلم أجد عنده شيئا ولا عند أحد غيره ممّن كان يزور هذا المرقد من أهل تلك القرية. وبعد ثلاث كيلومترات من قرية زيوان وصلنا إلى قرية كُلَيْن، وكانت البيوت في بداياتها قديمة جدّا، وخربة موحشة كأنّها أطلال، وما أن انتهت تلك الديار الخالية الواقعة على يمين الشارع إلّا وقد اتّصلت بها بيوت بسيطة آهلة بسكّان أهل قرية كُلَيْن على جانبي شارع الشيخ يعقوب الكليني رحمه الله، وهي قرية صغيرة على أرض منبسطة واسعة تحيط بها من جهة الجنوب الغربي سلاسل جبلية قليلة الارتفاع، وفي شرقها باتّجاه الشمال وعلى بعد (6) كيلومتر تقريبا جبل أسود بدت على سفحه الطويل البعيد مدينة عامرة وكبيرة تشاهد من قريتي زيوان وكلين معا، وقد اتّفق كلّ من سألناه عن اسم تلك المدينة فقالوا أنّها مركز إقليم فشافويه، وهو إقليم واسع يضمّ (47) قرية، منها قرية زيوان وقرية كُلين وبقيه القرى الاُخرى التي يتّصل بمعظمها شارع الشيخ يعقوب الكليني.
وأهل قرية كُلَيْن يلفظون اسم قريتهم (بضمّ الكاف، وفتح اللام، وسكون الياء بعدها نون) ۳ وكان بعضهم على علم بالقرى التي تحمل هذا الاسم ولكنّها ليست من إقليم فشافويه، وانّ قبر الشيخ يعقوب رحمه الله إنّما هو في قريتهم لا غير.
وقد رافقنا بعض وجوه أهل تلك القرية ـ منهم (رئيس روستاي كلين) ورئيس اُمناء مرقد الشيخ يعقوب الكليني الشيخ محمّدرضا ستاره ـ لزيارة قبر الشيخ يعقوب الذي يبعد عن القرية إلى الجنوب منها بكيلومتر واحد فقط، ويقع على يمين شارع الشيخ يعقوب، في وسط حديقة كبيرة تزيد مساحتها على ثلاثة آلاف متر مربّع، ويقع قبر الشيخ يعقوب رحمه اللهفي وسط حجرة مربّعة الشكل طول ضلعها 60/26 م، وارتفاعها بحدود خمسة أمتار تعلوها قبّة بحدود ثلاثة أمتار، وأمّا القبر الشريف فارتفاعه عن الأرض (57) سنتمرا، وعرضه (10/1) متر، ومبني بحجر الرخام الأبيض المائل للخضرة، وقد كُتب عليه ما هذا لفظه:
«هو الباقي. مرقد منوّر ومطهّر مرد صالح جناب مستطاب شيخ يعقوب بن إسحاق كلينى رازى رضى اللّه عنه كه در حدود سال سيصد هجرى قمرى وفات ودر اينجا بخاك سپرده شده است، او پدر عالم بزرگوار شيعه مرحوم ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب كلينى مؤلّف كتاب شريف أصول و فروع و روضه كافى است كه يكى از كتب اربعة ميباشد وقبر ايشان در بغداد زيارتگاه مؤمنان است در بسيارى از كتابها مانند فوائد الرضوية محدّث قمى وريحانة الأدب خيابانى تصريح شده كه قبر شيخ يعقوب كلينى در روستاى كلين در راه رى در تهران به قم مشهود ومشهور است بازسازى اين مرقد در سال 1410 هجرى قمرى مقارن با أولين سالگرد ارتحال رهبرى كبير انقلاب اسلامى ايران رحمت اللّه تعالى عليه بهمت افراد خير بازسازى انجام شد».
وترجمة ما مكتوب إلى العربية هذه:
«هو الباقي. المرقد المنوّر والمطهّر للرجل الصالح سماحة الشيخ يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي رضي اللّه عنه، المتوفّى نحو (سنة / 300 ه ق )، والمدفون في هذا المكان، وهو والد العالِم الشيعي الكبير المرحوم: ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني، مؤلّف كتاب الكافي الشريف (الاُصول، والفروع، والروضة)، وهو أحد الكتب الشيعية الأربعة، وقبره ببغداد مزار للمؤمنين. وقد صرّحت مصادر كثيرة ـ كالفوائد الرضوية للمحدّث القمّي، وريحانة الأدب للخياباني ـ بأنّ قبر الشيخ يعقوب الكليني مشهود ومشهور في قرية كلين في طريق الريّ بين طهران وقم. وقد تمّ ترميم هذا المرقد برعاية بعض الاُخوة المحسنين في (سنة / 1410 ه ق ) المصادف للذكرى الاُولى لرحيل [الإمام الخميني] قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الكبير رحمة اللّه تعالى عليه».
هذا، وقد أحاط بالقبر الشريف شبّاك زجاجي بأضلاع من الألمنيوم، مستطيل الشكل طوله 10/2 متر، وعرضه 10/1 متر، وارتفاعه 10/1 متر.
وأمّا بناء حجرة القبر من الخارج فمستطيلة الشكل، ومساحتها 20/11 متر عرضا × 90/12 متر طولاً، وقد استثمر الفرق بين المساحة الداخلية والخارجية لبناء بعض الغرف الصغيرة المفتوحة على حديقة المرقد من ثلاث جهات ما خلا الواجهة التي توسّطها باب المرقد، وعرضها 24/1 متر، وارتفاعها 30/3 متر، وقد كتب فوق الباب العبارة التالية:
«مرمّت اين بقعه توسّط ميراث فرهنگى استان تهران در سال 1376 به اتمام رسيد».
وترجمتها إلى العربية:
«انجز ترميم هذه البقعة من قبل دائره التراث الثقافي في طهران (سنة/1376هش)».
وقد قال لي رئيس هيئة اُمناء المرقد الشريف أنّه كانت توجد مكان هذه العبارة قبل الترميم الأخير للمرقد كتابة صريحة بخصوص بناء القبر في عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري المتوفَّى (سنة / 1250 ه ).
وقد تحوّلت بعض مساحة حديقة المرقد إلى مقبرة لأهل قرية كُلَيْن وغيرها من القرى المجاورة.
وبالجملة فإنّ القبر الشريف لا يشكّ أحد من أهل تلك القرية ولا من غيرها في صحّة نسبته إلى والد الكليني، وقد رأيت بعضهم يؤمّونه للتبرّك وقراءة سورة الفاتحة على صاحبه رحمه الله، ولا يبعد أن يكون الشيخ يعقوب رحمه الله قد دفن بمنزله في هذه البقعة، الأمر الذي يعتقده أهل تلك القرية ووجوهها واللّه العالم.
وفيما يأتي مخطّط يوضّح موقع كلين جغرافيا، مع بعض الصور لمرقد الشيخ يعقوب الكليني رحمه الله :

1.. تاريخ الأدب العربي : ج ۳ ص ۳۳۹ ترجمه إلى العربية يعقوب بكر، ورمضان عبدالتوّاب.

2.. راجع : الشيخ الكليني وكتابه الكافي ـ الفروع / ثامر العميدي (المؤلّف) : ص ۷۰ ـ ۷۲.

3.. وهذا هو الصحيح الموافق لما ضبطه بعض أعلام الإمامية خلافا لكثير ممّن اشتبهوا بضبطها، راجع : الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي ـ الفروع : ص ۷۰ ـ ۷۲.


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
120

الصنف الأوّل ـ الألقاب المكانيّة:

وقد اصطلحنا هذا الاسم على ألقاب الصنف الأوّل من ألقاب الشيخ محمّد بن يعقوب رضى الله عنه؛ لكونها دلّت على المكان الذي استغرق حياته منذ ولادته إلى وفاته، وفي هذا الصنف نجد أربعة ألقاب، عبَّر الأوّل والثاني منها عن المكان الذي ولد فيه ونشأ وتربّى وأخذ العلم في ربوعه، بينما دلّ الثالث والرابع على المكان الذي استقرَّ فيه أخيرا واتّخذ منه مقاما ومسكنا إلى أن وافاه أجله المحتوم، وعليه يمكن تقسيم هذا الصنف من الألقاب على قسمين، وهما:

القسم الأوّل ـ ما دلّ من ألقابه على نشأته وموطنه:

وتنحصر ألقاب هذا القسم بلقبين، وهما:

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305020
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي