147
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

3 ـ قبره الشريف:

من مراجعة ما تقدم يُعلم أنّ مكان قبر الكليني في الجانب الغربي من بغداد؛ لتصريح الشيخ الطوسي وغيره بأنّه دفن ببغداد في مقبرة باب الكوفة، قرب صراة الطائي، وقد رأى الشيخ أحمد بن عبدالواحد بن أحمد البزّاز المعروف بابن عبدون، والمسمّى بابن الحاشر (ت / 423 ه ) أحد مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي، قبر الشيخ الكليني في صراة الطائي وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه كما مرّ آنفا.
ومن الثوابت التاريخية أنّ باب الكوفة أحد أبواب بغداد المشهورة؛ لأنّ المنصور العبّاسي (137 ـ 158 ه ) الذي شرع ببناء مدينة بغداد في (سنة / 140 ه ) قد اختار موقعها في الجانب الغربي من نهر دجلة، أي في منطقة الكرخ حاليا، وكان بناؤها مستديرا، ولها أربعة أبواب، سمّيت كلّ منها باسم الجهة التي تقابلها وهي:
1 ـ باب الشام في الشمال الغربي من المدينة مقابل جهة الشام.
2 ـ باب البصرة في الجنوب الشرقي من المدينة باتّجاه البصرة.
3 ـ باب خراسان في الشمال الشرقي على الضفّة الغربية لنهر دجلة باتّجاه خراسان.
4 ـ باب الكوفة في ناحية الجنوب الغربي باتّجاه الكوفة.
وأمّا صراة الطائي، فهو اسم لنهرين ببغداد وكلاهما في الجانب الغربي من بغداد.
أحدهما: يسمّى الصراة العظمى، أو الصراة العليا.
والآخر: يسمّى الصراة الصغرى، أو الصراة السفلى، ومنبعهما من نهر عيسى الأعظم الذي يأخذ ماءه من جنوب بغداد، وتحديدا من المنطقة المسمّاة حاليا بجزيرة بغداد، مقابل منطقة كلوذاي في الطرف الآخر من النهر، وهي الباب الشرقي حاليا، ونهر عيسى نسبة إلى عيسى بن علي بن عبداللّه بن عبّاس، وهذا النهر يتفرّع عند منطقة المحول الكبير ـ وهي تبعد عن سور بغداد بفرسخ واحد ـ إلى عِدّة أنهار صغيرة أشهرها نهر عيسى الأصغر، والصراتين اللذَيْنِ يستمرّان في الجري، ويذهب من الصراة العظمى فرع ليدخل بغداد من باب الكوفة، وما تبقّى منه يتّصل به نهر باب الشام الذي يأخذ ماءه من جهة الشمال وينحدر جنوبا حتى يتصل بالصراة العظمى قرب باب الكوفة بين ربض سليمان وربض المدالي، ثمّ ينحدر ماء النهرين معا إلى جهة باب البصرة بعد تفرّعه إلى أكثر من نهر ليصبّ الجميع في دجلة ۱ .
وقد قال الدكتور مصطفى جواد رحمه الله: «إنّ مصبّ الصراة، هو رأس الجعيفر في المنطقة التي كان فيها بيت السيّد محمّد الصدر (ت / 1354 ه ) رحمه اللّه » ۲ .
وفيما يلي خارطة بغداد في القرن الثالث الهجري صوّرتها (فوتوغرافيا) في (سنة / 1409 ه ) من قسم الدراسات العليا في جامعة بغداد ـ فرع الجغرافية، توضّح جميع ما ذكرناه.

1.. راجع: البلدان لليعقوبي : ص ۱۲ و۲۴، وتاريخ بغداد (في صفحات عديدة من جزئه الأوّل)، والمنتظم / ابن الجوزي (الأجزاء الثلاثة الأخيرة ـ ۱۶ و۱۷ و۱۸ ـ في عِدّة حوادث وتراجم)، ومعجم البلدان ـ بغداد، ومراصد الاطّلاع / صفيّ الدين البغدادي : ج ۲ ص ۸۳۶ ، وبغداد في عهد الخلافة العبّاسية / غي لسترانج: ص ۵۳ ، وغاية المرام في تاريخ محاسن بغداد ، دار السلام / ياسين العمري ، الخطيب الموصلي : ص ۲۲ ، والشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي ـ الفروع: ص ۸۲ .

2.. راجع كتابنا : الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي ـ الفروع : ص ۸۲ .


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
146

2 ـ مكان الوفاة:

اتّفق الكلّ على أنّ وفاة ثقة الإسلام الكليني رحمه اللّه تعالى، كانت ببغداد، حيث اتّخذ فيها مسكنا بدرب السلسلة القريب من باب الكوفة، ولم أجد المخالف في هذا إلّا ما كان من أحمد أمين المصري (ت / 1373 ه ) الذي زعم أنّ وفاة الكليني بالكوفة!! ۱ .
والمعروف عن أحمد أمين أنّه لم يطّلع على كتب الشيعة في خصوص معرفة عقائدهم وأعلامهم، وقد حدّثني أساتذة كلّية الفقه في مطلع الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، بأنّ أحمد أمين قدم إلى العراق، ودُعي إلى كلّية الفقه في النجف الأشرف، وأنّه عوتِب على ما وصف به الإمامية في كتبه الثلاثة: (فجر الإسلام) و(ضحى الإسلام)، و(شمس الإسلام)، فاعتذر بأنّه لم يطّلع على مؤلّفات الشيعة!!
وإنّما ذكرنا هذا ليعلم مدى تأثّره بالدراسات الاستشراقية في فهم عقائد الشيعة ووفيات أعلامها! وفي المقام فإنّه لم يأخذ هذا المورد إلّا من المستشرق رونالدسن داويت، الذي لم يفرّق بين باب الكوفة ببغداد، وبين مدينة الكوفة، ومن هنا كان اشتباهه ـ في كتابه (عقيدة الشيعة) ـ بالمكان الذي مات فيه الكليني رحمه الله ۲ ، ثمّ جاء أحمد أمين ليفهم منه تلك العقيدة وأعلامها!!
وأيّا كان مصدر نقله، فقد خرجت جموع الشيعة ببغداد في ذلك اليوم الحزين لتلقي نظرة الوداع الأخيرة إلى جثمان عالمها وفقيهها ومحدّثها الشيخ الجليل الكليني رضي اللّه تعالى عنه، واحتشدت بخشوع ليؤمّها في الصلاة على الجثمان الطاهر نقيب الطالبيين ببغداد السيّد محمّد بن جعفر الحسني المعروف بأبي قيراط، المتوفّى (سنة / 345 ه )، ثمّ نقلته بعد ذلك إلى مثواه الأخير.
جدير بالذكر، أنّه قد شهدت بغداد وغيرها من الحواضر العلمية في (سنة / 329 ه ) سنة وفاة الشيخ الكليني، وفيات عدد من أقطاب الإمامية، كالسفير الرابع الشيخ الجليل علي بن محمّد أبي الحسن السمري، والشيخ الجليل الصدوق الأوّل، وفي تلك السنة حصلت الطامّة الكبرى بانقطاع السفارة وحلول عصر الغيبة الكبرى، وفي تلك السنة أيضا مات عدد جمّ من علماء الطوائف والمذاهب الاُخرى من فقهاء ومتكلّمين ومحدّثين، حتى سمّيت تلك السنة بسنة موت العلماء، وفيها أيضا سقط رأس القبّة الخضراء ببغداد التي كانت تعدّ من مآثر بني العبّاس، وحصل في تلك السنة من الأحداث ما لم يعهد مثله، كتناثر النجوم فيما قاله النجاشي، مع مطر عظيم، ورعد هائل، وبرق شديد فيما قاله الخطيب البغدادي ۳ ، ممّا يدلّ هذا على شؤم تلك السنة المذكورة في زمان وفاة ثقة الإسلام ومكانها.

1.. ضحى الإسلام : ج ۳ ص ۲۶۷.

2.. عقيدة الشيعة / رونالدسن داويت: ص ۴۸۴ .

3.. تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۹۳ .

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305049
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي