201
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
200

32 ـ محمّد بن جعفر الأسدي:

قال النجاشي: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الريّ ، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللّه ، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه ـ وكان أبوه وجهاً روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى ـ له كتاب الجبر والاستطاعة. أخبرنا أبو العبّاس بن نوح، قال: حدّثنا الحسن ابن حمزة، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الأسدي بجميع كتبه، قال: ومات أبو الحسين محمّد ابن جعفر ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الاُولى سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة...» ۱ .
وقال الشيخ في الفهرست: «يكنّى أبا الحسين، له كتاب : الردّ على أهل الاستطاعة» ۲ .
وقال في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام : «محمّد بن جعفر الأسدي، يكنّى أبا الحسين الرازي، كان أحد الأبواب» ۳ .
وقد أثنى عليه الشيخ في كتاب الغيبة ووثّقه بقوله: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل. منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رحمه اللّه » ۴ .
والتوقيعات التي أشار لها الشيخ متظافرة مشهورة أخرجها الشيخ وغيره من أقطاب محدّثي الإمامية.
منها: ما أخرجه الشيخ عن أبي جعفر محمّد بن علي بن نوبخت، أنّه استأذن للحج، فلم يؤذن له، قال: «فلمّا كان من قابل استأذنت، فورد الجواب، فكتبت: إنّي عادلت محمّد ابن العبّاس وأنا واثق بديانته وصيانته، فورد الجواب: الأسدي نعم العديل، فإن قدِم فلا تختر عليه. قال: فَقَدِمَ الأسدي، فعادلته» ۵
.
ومنها: ماأخرجه الكليني عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: «اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرين درهماً، فأنفت أن أبعث بخمسمائة تنقص عشرين درهماً، فوزنت من عندي عشرين درهماً، وبعثتها إلى الأسدي ولم أكتب ماليَ فيها. فورد: وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً» ۶ .
ومنها: ماأخرجه الشيخ عن صالح بن أبي صالح، قال: «سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالرّي محمّد بن جعفر العربي، فليدفع إليه، فإنّه من ثقاتنا» ۷ .
ومنها: ما أخرجه الشيخ الصدوق في الفقيه ، وإكمال الدين . والشيخ في التهذيب ، والاستبصار ، وكتاب الغيبة من التوقيع الوارد من جهته عليه السلام جوابا عمّا سأله الأسدي رضى الله عنهمن محمّد بن عثمان العمري قدّست نفسه الزكية.
وأوّله: «وأمّا ماسألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ...» ۸ .
وقد ورد الترضّي عليه في إسناد كتاب الغيبة ، في ذكر التوقيعات الواردة من جهة الإمام المهدي عليه السلام مرتين ۹ .
وقال الشيخ في آخر التوقيعات الواردة على أقوام ثقات: «ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغيّر ، ولم يطعن عليه، في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة» ۱۰ .
وترضّى عليه الشيخ الصدوق، وقدّم مايرويه على غيره في صورة التعارض، قال في كتابه الفقيه ـ الذي حكم بصحة رواياته وجعله حجة فيما بينه وبين اللّه عز وجل ـ : «وأما الخبر الذي روي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنّ عليه ثلاث كفّارات، فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه، أو بطعام محرّم عليه؛ لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضي اللّه عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه» ۱۱ .
هذا، وأمّا ماقاله النجاشي في ترجمته بُعَيد توثيقه صراحة من أنّه كان يقول بالجبر والتشبيه، فلا يمكن الإذعان له ؛ لجملة من الأسباب، وهي:
أولاً: إنّ الأسدي من مشاهير مشايخ الكليني (رضي اللّه تعالى عنهما) والكليني أعرف من غيره بالأسدي المذكور، فلو كان مجبّراً ومشبّهاً حقّاً لتركه كما ترك الرواية عمّن يقول بمقولة الجبر والتشبيه والحلول والاستواء وغيرها من مقولات الحشوية.
ثانياً: إنّ اسم كتاب الأسدي في رجال النجاشي هو كتاب الجبر والاستطاعة، وأمّا اسمه في فهرست الشيخ فهو كتاب : الردّ على أهل الاستطاعة، ومن البعيد جدّاً أن يكون له كتابان أحدهما في الجبر والاستطاعة والآخر في الردّ على هذه المقولة ، ويطّلع الشيخ على أحدهما فقط، والنجاشي على الآخر فقط !
ومنه يعلم أنّ الاسمين لكتاب واحد، وهو في الردّ على مقولة المجبرة والمشبّهة، لا في اعتقادها كما توهّم النجاشي .
ثالثاً: إنّ الذي يدل على توهّم النجاشي باسم الكتاب ـ ولعل ذلك هو السبب في ما نسبه إليه ـ وإنّ الصحيح ماذكره الشيخ، هو مارواه ثقة الإسلام الكليني عن شيخه الأسدي ـ والظاهر من كتابه مباشرة ـ جملة من الروايات الصحيحة الصريحة بردّ مقولات الحشوية كالجبر والاستطاعة والرؤية وغيرها:
منها: ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الشهيرة التي وصفها ثقة الإسلام الكليني بقوله: «وهذه الخطبة من مشهورات خطبه عليه السلام »، وفي تلك الخطبة المبتدئة بقوله عليه السلام : «الحمد للّه الأحد الصمد، المتفرّد ، الذي لامن شيء كان، ولا من شيء خلق ما كان...» من التنزيه المطلق للّه عزّوجلّ من كل نقص وعيب، ما يأخذ بمجامع القلوب، وفي لفظ يشنّف الأسماع بجزالته، ويحيّر الألباب بفصاحته. وللّه درّ الكليني إذ جعل هذه الخطبة في طليعة باب جوامع التوحيد ۱۲ .
ومنها: قول الإمام الصادق عليه السلام : «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين...» ۱۳ .
ومنها: قول الإمام الرضا عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي في حكاية الحديث القدسي عن علي بن الحسين عليهماالسلام: «يا ابن آدم ، بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء وبقوتي أدّيت إليّ فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعاً، بصيراً، ما أصابك من حسنة فمن اللّه ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أنّي أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني...» ۱۴ .
ومنها: قول الإمام الصادق عليه السلام في الاستطاعة في كلام رائع جاء فيه: «.... إنّ اللّه لم يجبر أحداً على معصيته، ولا أراد ـ إرادة حتم ـ الكفرَ من أحدٍ، ولكن حين كفر كان في إرادة اللّه أن يكفر، وهم في إرادة اللّه وفي علمه، أن لا يصيروا إلى شيء من الخير. قلت: أراد منهم أن يكفروا؟ قال عليه السلام : ليس هكذا أقول، ولكنّي أقول: علم أنّهم سيكفرون، فأراد الكفر لعلمه فيهم، وليست هي إرادة حتم، إنّما هي إرادة اختيار» ۱۵ .
وهكذا الحال في رواية أقوال الأئمة: الإمام الصادق ۱۶ ، والإمام الكاظم ۱۷ ، والإمام الرضا ۱۸ عليهم السلام في باب النهي عن الجسم والصورة من كتاب التوحيد.
وروى قول الإمام الجواد عليه السلام ، في قوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَـرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَـرَ»۱۹ ، وقول الإمام أبي محمّد العسكري عليهماالسلام، في باب إبطال الرؤية من كتاب التوحيد ۲۰ .
وهذه الروايات وغيرها ممّا لم نذكره اختصاراً، قد رواها كلّها ثقة الإسلام الكليني عن شيخه محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي المعروف بمحمد بن أبي عبد اللّه .
ولعمري! كيف يكون ثقة، وباباً للحجة عليه السلام ، وراوياً عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام مثل هذه الروايات، ثم يقول بعد ذلك بالجبر والتشبيه ؟!!
رابعاً: الروايات الكثيرة المتظافرة الدالة صراحة على كونه من الأبواب والسفراء الثقات المعتمدين رضي اللّه تعالى عنهم، وقد اعتمدها، الكليني، والصدوق، والمفيد، والطوسي كما تقدّم. وهل يعقل أن ينال المجبِّر والمشبِّه مثل هذا المقام ؟ !!
خامساً: إنّ دأب الشيخ الصدوق والطوسي عدم اطلاق الترضّي ـ عند ذكر المشايخ ـ على فاسد في عقيدته قطّ ، ومن يقول بالجبر والتشبيه، هو فاسد العقيدة بلا ريب، وقد عرفت ترضّيهما على الأسدي كما مرّ.
سادساً: لايوجد في قاموس مشايخ الكليني رحمه اللّه ورضي عنه أحد من الشيعة ذي أفكارٍ حشوية قطّ ، والجبرية هم رؤوس الحشوية وقادتهم، فلو كان الأسدي منهم لتجنّبه وأعرض عن رواياته، ومن البعيد جداً أن يطلع النجاشي على مالم يعرفه الشيخ الكليني من أحوال شيخه الأسدي.
سابعاً: شهادة شيخ الطائفة ورئيسها أنّ الأسدي رضى الله عنه مات على ظاهر العدالة ولم يطعن عليه في شيء، شهادة معتبرة محترمة، مقدّمة على غيرها خصوصا مع تأييدها بمثل هذه الاُمور.
وكل هذا يدل على أنّ مانسبه إليه النجاشي من القول بالجبر والتشبيه، لا أصل له ولا واقع.
ولو تنزّلنا جدلاً، وقلنا بصحة ماذكره النجاشي، فإنّ فساد العقيدة لاينافي الوثاقة، والدليل عليه، أنّ النجاشي نفسه جمع بين التوثيق الصريح وفساد العقيدة في ترجمة الأسدي نفسه، وكذلك في تراجم عديدة من كتابه، وعلى هذا جرت سير الرجاليين الشيعة قديماً وحديثاً، لعلمهم بأنّ فساد عقيدة الراوي لادخل لها في سلب وثاقته مالم يصل ذلك الفساد إلى الكفر البواح. والصحيح في المقام، كفاية وثاقة الراوي في حجية روايته ما لم يكن في متنها شيءٌ، وسلمت من المعارض الأقوى. كما أنّ حسن عقيدة الراوي لا يعني بالضرورة كونه ثقة.
وأمّا عن قول النجاشي ، أنّه : «كان يروي عن الضعفاء»، فمن الواضح أنّ هذا لا يقتضي عدم اعتبار مارواه عن الثقات، على أنّ المتفق عليه بأنّ رواية الثقة عن الضعيف متى ماعلم بأنّ لها مخرجاً صحيحاً من طريق الثقات، كان ذلك أمارة على صدق الرجل الضعيف وعدم توهّمه أو اشتباهه في حدود نقله لتلك الرواية.
فكيف الحال إذن لو كانت رواية الثقة عن نظيره وسلمت من المعارض الصحيح الأقوى؟
هذا، وقد روى الكليني عن محمّد بن جعفر مطلقا، وهو مردّد بين الأسدي وبين الرزّاز الآتي، وكلاهما ثقة. كما وقع محمّد بن جعفر مطلقا ضمن رجال عِدّة الكافي الذين يروي الكليني، عنهم، عن البرقي، ووقع الأسدي بعنوان (محمّد بن أبي عبداللّه ) ضمن رجال العِدّة، عن سهل بن زياد، وسيأتي ذلك في بحث عِدّة الكافي.

1.. رجال النجاشي : ص ۳۷۳ الرقم ۱۰۲۰.

2.. الفهرست : ص ۲۲۹ الرقم ۶۶۰ (۷۵) .

3.. رجال الشيخ الطوسي : ص ۴۳۹ الرقم ۶۲۷۸ (۲۸).

4.. المصدر السابق : ص ۴۱۵ ، في التوقيعات الواردة على أقوام ثقات .

5.. كتاب الغيبة للطوسي : ص ۴۱۶ الرقم ۳۹۳، وهذا التوقيع أخرجه الكليني في اُصول الكافي : ج ۱ ص ۵۲۲ ـ ۵۲۳ ح ۱۷ باب مولد الصاحب عليه السلام ، والشيخ المفيد في الإرشاد : ج ۲ ص ۳۶۳ ـ ۳۶۴ باب طرف من دلائل صاحب الزمان عليه السلام وبيّناته وآياته، باختلاف يسير.

6.. اُصول الكافي : ج ۱ ص ۵۲۳ ـ ۵۲۴ ح ۲۳ باب مولد الصاحب عليه السلام ، وهذا التوقيع أخرجه الصدوق في إكمال الدين : ج ۲ ص ۴۸۵ ـ ۴۸۶ ح ۵ باب ۴۵، والمفيد في الإرشاد : ج ۲ ص ۳۶۵ باب طرف من دلائل صاحب الزمان عليه السلام وبيّناته وآياته، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : ص ۴۱۶ ـ ۴۱۷ ح ۳۹۴ في التوقيعات الواردة على أقوام ثقات .

7.. كتاب الغيبة للطوسي : ص ۴۱۵ ح ۳۹۱ في التوقيعات الواردة على أقوام ثقات.

8.. كتاب من لايحضره الفقيه : ج ۱ ص ۳۱۵ ح ۱۴۳۱ باب ۷۶ قضاء صلاة الليل، إكمال الدين : ج ۲ ص ۵۲۰ ح ۴۹ باب ۴۵، تهذيب الأحكام : ج ۲ ص ۱۷۵ ح ۶۹۷ (۱۵۵) باب ۹ ، الاستبصار : ج ۱ ص ۲۹۱ ح ۱۰۶۷ (۱۰) باب ۱۵۸، كتاب الغيبة للطوسي : ص ۲۹۶ ح ۲۵۰ في التوقيعات الواردة من جهته عليه السلام .

9.. كتاب الغيبة للطوسي : ص ۲۸۷ ح ۲۴۶، وص ۲۹۶ ح ۲۵۰ في التوقيعات الواردة من جهته عليه السلام .

10.. المصدر السابق : ص ۴۱۷ ذيل حديث ۳۹۴ في التوقيعات الواردة على أقوام ثقات .

11.. كتاب من لايحضره الفقيه : ج ۲ ص ۷۳ ح ۳۱۷ باب مايجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان متعمّداً أو ناسياً، وأورده الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : ص ۲۹۶ ـ ۲۹۷ ح ۲۵۱ في التوقيعات الواردة من جهته عليه السلام .

12.. اُصول الكافي : ج ۱ ص ۱۳۴ ح ۱ باب جوامع التوحيد من كتاب التوحيد.

13.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۱۶۰ ح ۱۳ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين من كتاب التوحيد.

14.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۱۵۹ ـ ۱۶۰ ح ۱۲ من الباب السابق .

15.. اُصول الكافي : ج ۱ ص ۱۶۲ ح ۳ باب الاستطاعة من كتاب التوحيد .

16.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۱۰۶ ح ۶ باب النهي عن الجسم والصورة من كتاب التوحيد.

17.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۱۰۶ ح ۷ من الباب السابق .

18.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۱۰۵ ح ۴ من الباب السابق.

19.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۹۹ ح ۱۱ في قوله تعالى : « لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَـرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَـرَ » من كتاب التوحيد، والآية المذكورة في سورة الأنعام : ۱۰۳.

20.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۹۵ ح ۱ باب في إبطال الرؤيا من كتاب التوحيد.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305010
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي