209
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
208

34 ـ محمّد بن الحسن الصفّار :

قال النجاشي: «محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار... أبو جعفر الأعرج، كان وجهاً في أصحابنا القميّين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية ـ إلى أن قال:ـ توفّي محمّد بن الحسن الصفّار، بقم، سنة تسعين ومائتين رحمه اللّه » ۱ .
وعَدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام العسكري عليه السلام ، قائلاً: «له إليه عليه السلام مسائل، يلقّب: ممولة» ۲
.
وقال في الفهرست: «قمّي، له كتب، مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة، كتاب بصائر الدرجات وغيره، وله مسائل كتب بها إلى أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام » ۳ .
وقد أكثر الصدوق من الرواية عنه بتوسّط شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد في كتابه من لايحضره الفقيه ، وذكر فيه بعض مكاتبات الإمام العسكري عليه السلام إلى الصفّار ۴ ، وفي ذلك ما يشير إلى جلالـة قدره وعلوّ مقامه عند الإمام أبي محمّد العسكري عليه السلام .
وقد وثّقه العلّامة الحلّي ۵ ، وابن داوود ۶ ، وجميع المتأخّرين بلا استثناء.
جدير بالذكر أنّ المحدّث النوري قد نفى أن يكون محمّد بن الحسن الذي يروي في الكافي عن سهل بن زياد هو الصفّار، واحتمل أن يكون المراد به واحدا من بين مجموعة من الرواة الذين اشتركوا باسم (محمّد بن الحسن) وكانوا ـ بحسب الطبقة ـ ممّن يمكن الرواية عنهم بلا واسطة كمحمد بن الحسن بن علي المحاربي، ومحمّد بن الحسن بن علي أبي المثنّى الكوفي، ومحمّد بن الحسن بن بندار القمّي الذي نقل الكشّي من كتابه، ومحمّد ابن الحسن القمّي الذي قال فيه النجاشي، أنّه ليس بابن الوليد، إلّا أنّه نظيره، وروى عن جميع شيوخه، أو البرناني.
والذي حمل المحدّث النوري على إنكار كون محمّد بن الحسن الصفّار من رجال عِدّة الكافي الذين يروون عن سهل بن زياد اُمور، أهمّها ثلاثة، وهي:
1 ـ إنّ الكليني لم يروِ عن محمّد بن الحسن الصفّار إلّا بالواسطة، ولكنّه روى عن محمّد بن الحسن (مطلقا) عن سهل.
2 ـ أنّه عادة ما يذكر في ابتداء السند (علي بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد) ولو كان المراد بمحمد بن الحسن هو الصفّار لقدّمه على علي بن محمّد باعتباره أجلّ منه منزلةً ومقاما، ونحو هذا من الحجج الاُخرى ۷ .
3 ـ أنّ الصفّار لم يروِ عن سهل ولا رواية واحدة في كتابه بصائر الدرجات ، فلو كان شيخه فلماذا ترك رواياته في هذا الكتاب؟
وكلّ هذا مردود.
أمّا الأوّل: فإنّ الرواية عن شخص بالواسطة لا تنافي الرواية عنه بلا واسطة، وهناك مئات الأمثلة في رجال أسانيد الكافي الدّالة على ذلك.
وأمّا الثاني: فمن قال أنّ علي بن محمّد غير جليل، فهو ثقة ومن أقرباء ثقة الإسلام الكليني، بل هو خاله، كما مرّ في ترجمته، ومن حقّ الخؤولة التقديم والتوقير، لا سيّما مع طول ملازمته، والتأكّد من حفظه وصدقه ووثاقته، على أنّه قدّم محمّد بن الحسن على خاله علي بن محمّد في عِدّة أسانيد من الكافي ۸ .
وأمّا الثالث: وهو عدم رواية الصفّار عن سهل بن زياد في كتاب بصائر الدرجات ، فضعيف جدّا.
أمّا أوّلاً: فعلى تقدير صحّة ما ذكره النوري، فإنّ كتاب بصائر الدرجات للصفّار رحمه اللهكان في خصوص فضائل أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم، وبيان منزلتهم عليهم السلام ، ولما كان موقف أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ـ وهو الرئيس المطاع في قمّ يومذاك ـ من سهل سلبيا جدّا، حتى أنّه أبعده من قم، لاتّهامه بالغلوّ، فما الداعي إذن لمواجهة القوي بالرواية عن الطريد المسكين؟ هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ الرواية عن سهل في خصوص أهل البيت عليهم السلام وبيان مقاماتهم العالية، قد تكون مدعاة لسقوط الكتاب بنظر الأشعري وجماعته الذين عُرِفَت مواقفهم رحمهم الله في خصوص مسألة الغلوّ؛ حتى قادهم الإفراط في هذا إلى التقصير أو شبهه.
وأمّا ثانيا: فإنّ العلّامة النوري رحمه الله لم يكن دقيقا في نفي وقوع سهل بن زياد في بصائر الدرجات ، وقد كنّا سابقا نرى ذلك اعتمادا على ما ذكره النوري، وقد صرّحنا به في بعض بحوثنا، كما اعتمد هذا بعض الأجلّة أيضا إستنادا إلى ما ذكره المحدّث النوري، ولكنّ الواقع خلاف ما قال؛ إذ رجعنا إلى بصائر الدرجات وقرأناه من أوّله إلى آخره فوجدنا الشيخ محمّد بن الحسن الصفّار قد روى فيه، عن سهل بن زياد مباشرة ۹ ، وبالواسطة ۱۰ .
وأمّا ثالثا: فإنّ الصفّار روى عن شيخه سهل بن زياد في غير البصائر ۱۱ ، وممّا يدلّ دلالة واضحة على كون محمّد بن الحسن الراوي عن سهل في الكافي هو الصفّار أحاديث الكافي نفسها، مع مقابلتها بأحاديث الكتب الأربعة، وإليك بعضها:
1 ـ قال سيّد المحدّثين في الكافي : «محمّد بن الحسن، عن سهل، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع... » ۱۲ .
وهذا الحديث نفسه رواه الشيخ في التهذيب في بيان النوافل اليوميّة قائلاً: «والذي يقضي بما ذكرناه من أنّ المسنون إحدى وخمسون ركعة ما لم يكن هناك عذر:
ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع...» ۱۳ . ثمّ أورد الخبر كما في الكافي حرفا بحرف.
2 ـ وقال في الكافي: «عِدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الريان، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصية... » ۱۴ .
وقال الشيخ الصدوق في كتابه الفقيه : «روى محمّد بن الحسن الصفّار رضى الله عنه، عن سهل ابن زياد، عن محمّد بن الريان، قال: كتبت إليه يعني علي بن محمّد عليهماالسلام ـ أسأله عن إنسان أوصى بوصية... ». ۱۵ ثمّ ساق الخبر كما في الكافي حرفا بحرف.
وطريق الشيخ الصدوق إلى الصفّار: محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عنه ۱۶ وطريق الشيخ يمرّ بابن الوليد أيضا ۱۷ ، وابن الوليد من طبقة الكليني، بل مات بعده بأربع عشرة سنة، وذلك في (سنة / 343 ه ) ۱۸ .
والقول باشتباه الصدوق في كتابيه (التوحيد، والفقيه) باحتمال مراجعة الكافي وأخذ هذه الموارد منه، ثمّ أنّه فسّر محمّد بن الحسن بالصفّار، وأضاف إليه طريقه!! بعيد جدّا وإن سلّمنا بظاهرة الأخذ بالتوسّط، والسهو في تطبيق عنوان مشترك على مصداق؛ لأنّ الصدوق من تلامذة الكليني، وعاصره زهاء ثلاث وعشرين سنة، فكيف يشتبه عليه الأمر بأسماء مشايخه؟ وعليه فالأولى عدّ القول باشتباه الصدوق في هتيك الموارد اشتباها.
وبعد كلّ هذا فلا أرى موجبا للإطالة في إثبات كون الصفّار شيخا للكليني رحمه الله.

1.. رجال النجاشي : ص ۳۵۴ الرقم ۹۴۸.

2.. رجال الشيخ الطوسي : ص ۴۰۲ الرقم ۵۸۹۸ (۱۶).

3.. الفهرست للطوسي : ص ۲۲۰ الرقم ۶۲۱ (۳۶) .

4.. كتاب من لايحضره الفقيه : ج ۴ ص ۱۵۱ ذيل حديث ۵۲۴ باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة، و ج ۴ ص ۱۵۵ ح ۵۳۷ باب الوصية للأقرباء والموالي ، و ج ۴ ص ۱۵۵ ح ۵۳۹ باب الوصية إلى مدرك وغير مدرك .

5.. خلاصة الأقوال : القسم الأوّل ، ص ۲۶۰ ـ ۲۶۱ الرقم ۹۱۰ (۱۱۲).

6.. رجال ابن داوود : القسم الأوّل ، ص ۱۷۰ الرقم ۱۳۵۹.

7.. خاتمة مستدرك الوسائل : ج ۳ ص ۵۱۸ من الفائدة الرابعة، ووافقه على هذا السيّد البروجردي في ترتيب أسانيد كتاب الكافي : ج ۱ ص ۱۲۲، الفائدة الرابعة .

8.. راجع: اُصول الكافي : ج ۱ ص ۳۲ ح ۱ باب صفة العلم وفضله، و ج ۱ ص ۳۴ ح ۱ باب ثواب العلم والمتعلّم، و ج ۱ ص ۳۰۰ باب الإشارة والنصّ على الحسن بن علي عليهماالسلام ، و ج ۱ ص ۳۴۳ ح ۱ باب ما يُفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة، و ج ۱ ص ۳۷۰ ح ۶ باب التمحيص والامتحان، و ج ۱ ص ۴۲۷ ح ۷۵ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، و ج ۲ ص ۲۴۲ ح ۴ باب في قلّة عدد المؤمنين .

9.. بصائر الدرجات : ص ۳۳۵ ح ۳ باب ۲.

10.. المصدر السابق : ص ۲۷۴ ح ۳ باب ۱۳.

11.. راجع: التوحيد : ص ۹۷ ح ۳ باب ۶، و ص ۹۸ ح ۵ من الباب السابق .

12.. فروع الكافي : ج ۳ ص ۴۴۴ ح ۸ باب صلاة النوافل من كتاب الصلاة.

13.. تهذيب الأحكام : ج ۲ ص ۸ ح ۱۴ باب المسنون من الصلوات .

14.. فروع الكافي : ج ۷ ص ۵۸ ـ ۵۹ ح ۷ باب النوادر من كتاب الوصايا.

15.. كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۴ ص ۱۶۲ ح ۵۶۵ باب الرجل يوصي بوصية ينساها الوصي ولا يحفظ منها إلّا بابا واحدا.

16.. مشيخة الفقيه : ج ۴ ص ۲۰.

17.. مشيخة التهذيب : ج ۱۰ ص ۷۳ .

18.. رجال النجاشي: ص ۳۸۳ الرقم ۱۰۴۲ .

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305076
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي