249
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

المبحث الثاني: رجال قد يُتَوَهّم بهم أنّهم من مشايخ الكليني:

لعلّ من المناسب أن نختم فصل مشايخ ثقة الإسلام بذكر من قد يشتبه به فيعدُّ شيخا للكليني قدس سره، وقد وقفنا على ثمانية منهم، وهم:

1 ـ ابن بابويه، الصدوق الأوّل:

وهو أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، والد الشيخ الصدوق رضي اللّه تعالى عنهما، جليل القدر، فقيه، ثقة، لا يختلف إثنان في وثاقته وجلالته، مات رحمه الله(سنة / 329 ه ) ۱ .وهو ليس من مشايخ الكليني، وإن صرّح به بعض الأجلّاء.فقد صرّح في روضات الجنّات ـ بعد أن ذكر بعض مشايخ الصدوق الأوّل ـ برواية ثقة الإسلام الكليني عنه في مورد واحد فقط، فقال: «ولكن لا رواية له عن الكليني، ولا له رواية عنه إلّا في حديث واحد من أبواب أُصول الكافي» ۲ .وقال السيّد البروجردي في تجريد أسانيد الكافي في المقدّمة الرابعة في بيان من روى عنه المصنّف (أي: الكليني) ما نصّه:«الأوّل: ابن بابويه، روى عنه في الكتاب [أي: الكافي] حديثا واحدا، والظاهر أنّ المراد به علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبو الحسن القمّي (ت / 329 ه ) » ۳ .وقد تابعهما بعض المعاصرين فعدّ الصدوق الأوّل من مشايخ الكليني في كتاب له بعنوان: (الكليني والكافي)!والصحيح أنّه ليس من مشايخ الكليني، ولم يرو الكليني عنه أي حديث، لا في الكافي ولا في غيره، وإليك البيان:أولاً: إنّ لفظة «ابن بابويه» وردت في أصول الكافي فعلاً في كتاب الحجّة باب مولد الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام، ولكن لا يُعلم إلى الآن هل هي من خطّ صاحب الكافي؟ أو أُلحقت ـ فيما بعد ـ لغاية من قِبل النسّاخ؟ثانيا: هل هي «ابن بابويه»؟ أم مصحّفة عن «ابن بانويه» وبانويه لقب لسلامة اُمّ الإمام زين العابدين عليه السلام كما هو صريح أحاديث الباب من الكافي .ثالثا: هل أنّ لفظة «ابن بابويه» متّصلة بمتن الحديث الثالث من أحاديث الباب؟ أو أنّها بداية لإسناد الحديث الرابع؟وللإجابة على هذه الأسئلة ذهب علماؤنا مذاهب شتّى، ولعلّ أجودها ما سنذكره ونشيّد صرحه بعد ذكر الحديثين الثالث والرابع من الباب المذكور؛ لكي يتحدّد موقع لفظة (ابن بابويه) بالضبط، وهما كما في نسخ الكافي:«3 ـ علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن حفص بن البختري، عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا مات أبي علي بن الحسين عليه السلام جاءت ناقة له من الرعي حتى ضربت بجرانها على القبر، وتمرّغت عليه، فأمرتُ بها فَرُدّت إلى مرعاها، وأنّ أبي عليه السلام كان يحجّ عليها ويعتمر ولم يقرعها قرعة قطّ. ابن بابويه.4 ـ الحسين بن محمّد بن عامر، عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن سعدان بن مسلم...» ۴ .وقد وردت لفظة: «ابن بابويه» في الوافي في نهاية حديث علي بن إبراهيم، ثمّ قال: (بيان)، وشرح في بيانه بعض مفردات الحديث ومنها لفظ (ابن بابويه)، ثمّ أورد بعد هذا حديث الحسين بن محمّد ۵ .كما وردت اللفظة المذكورة في مرآة العقول بعد جملة: «ولم يقرعها قرعة قطّ» مباشرة، وليست في بداية سطر جديد، مع الفصل بينهما بنقطة ۶ .ولمّا كان وقوع مثل هذه اللفظة في نهاية حديث غير معهود في الكافي، لذا اختلفوا في توجيهها، ولعلّ أفضل ما قيل ما حاصله:إنّ هذه اللفظة وردت للتنبيه من قِبَل النُسّاخ الأوائل على أنّ الحديث الرابع إنّما هو في نسخة الشيخ الصدوق محمّد بن علي من الكافي دون سائر النسخ نظير ما وقع في بعض المواضع من الكافي: (في نسخة الصفواني) و(وفي رواية النعماني: كذا) ۷ .أقول: ويؤيد هذا الوجه عشرة وجوه وهي:الأوّل: إنّ (ابن بابويه) ينصرف إلى الابن (الشيخ الصدوق) في الغالب، وقد يطلق نادرا على الأب (الصدوق الأوّل).الثاني: ورود اللفظ في آخر الحديث الثالث، لا في سند الحديث الرابع، كما في المطبوع من الكافي وسائر نسخه الاُخرى التي رآها المحقّق الداماد ۸ .الثالث: سند الحديث الرابع ابتدأ بشيخ الكليني الحسين بن محمّد بن عامر.الرابع: الكليني لم يرو في الكافي اُصولاً وفروعا وروضة بالواسطة عن شيخهِ الحسين بن محمّد بن عامر، علما أنّ رواياته عنه في فروع الكافي فقط بلغت أربعمائة وعشرة موارد ۹ .الخامس: ليس المعهود من طريقة الكليني الرواية عن أيٍّ من مشايخه بالواسطة إلّا ما رواه عن مشايخه الثلاثة: الجوّاني، وسعد بن عبداللّه ، والصفّار.السادس: المشهور بين العلماء أنّ الكليني لم يروِ عن علي بن بابويه، ولا علي بن بابويه عنه لعدم اتّفاق اللقاء بينهما.السابع: لا يعلم أنّ أحدا ـ منذ زمن الكليني وإلى اليوم ـ قد نقل حديث الكافي بصورة: «محمّد بن يعقوب، عن ابن بابويه، عن الحسين بن محمّد بن عامر» كما هو دأب الكثيرين منهم.الثامن: لا يبعد أن تكون للصدوق نسخة من الكافي تختلف عن نسخة الصفواني والنعماني بما يرتبط بهذا الحديث، خصوصا وأنّه صرّح في أوّل الفقيه باعتماده على كتب مشهورة، عليها المعوّل، وإليها المرجع، وقد كان الكافي من جملتها كما يبدو من ذكر طريقه إلى ثقة الإسلام، وأمّا عن أُصول الكافي فقد اختصره الشيخ الصدوق بيده، وتوجد من مختصره نسخة خطّية في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام العامّة في النجف الأشرف بعنوان منتخب اُصول الكافي وبرقم (1635 / 6 ج1 ) كما في فهرس مخطوطاتها الخطّي الموجود في المكتبة نفسها ۱۰ . التاسع: شرع الكليني رحمه اللهبتصنيف الاُصول قبل الفروع والروضة من الكافي كما هو صريح ديباجة الكافي التي أشار فيها إلى ضرورة الابتداء بكتاب العلم، وهذا يعني أنّ الاُصول قد تمّ تأليفه بوقت مبكّر من عمر العشرين سنة التي أمضاها الكليني في تصنيف الكافي، فإن قدّر هناك ثمّة لقاء بينهما، فليكن في بغداد، وإن قلنا بأنّ الكافي لم يتمّ تأليفا عند أوّل لقاء بينهما في بغداد، فلا أقلّ من إتمام تأليف الاُصول منه وقتئذٍ، خصوصا وأنّه شرع في التأليف حدود (سنة / 290 ه ) لروايته فيه عن الصفّار وغيره ممّن مات في تلك السنة، أو قبلها أو بعدها بقليل، ومع هذا لم يرو عن ابن بابويه لا في الاُصول ولا في الفروع ولا في الروضة، كما لم ينقل أحد من علماء الشيعة ومحدّثيهم أية رواية عن الكليني عن الصدوق الأوّل في جميع تراثهم الحديثي المطبوع.العاشر: لو كان سند الحديث الرابع مبتدأً بـ (ابن بابويه) للزم أن يكون بعده لفظ (عن)، كما هو المشهور من طريقة الكليني في سَوْق الإسناد، والحال ليس كذلك.ويمكن أن يضاف إلى هذه الوجوه وجها آخر، وهو أنّ الشيخ الكليني إنّما يروي الحديث الواحد أو الحديثين عمّن لم تكن له شهرة في كتب الرجال، بل يروي المئات عن المشهورين كما لاحظناه في مشايخه، وهذا الوجه الأخير وإن كان لا يقاس عليه إلّا أنّ طريقة الكليني رحمه اللهـ ظاهرا ـ هي هذه، فلو قدّر اللقاء بينهما لَأكثر ثقة الإسلام من الرواية عنه على فرض تقدّم سنّه لأنّه من الأجلّاء، وإلّا فلا يخلو الأمر من أحد احتمالين:أمّا عدم اللقاء كما هو المشهور بين العلماء، وفي النفس منه شيء لأنّ الكليني حدّث عن المشايخ القمّيين مع قرب كلين من قم، وهذا يحتمل اللقاء بينهما، وإلّا فاستبعاده عنهما ببغداد مستبعد؛ لأنّ الصدوق الأوّل دخل بغداد أكثر من مرّة في زمان مكوث الكليني فيها، كما بيّناه في بحث آخر مفصّلاً ۱۱ .وأمّا أنّه كان ينظر إليه أنّه من القرناء، ومن يطلب السند العالي ـ كثقة الإسلام ـ لا يروي عن القرين، ويؤيّد هذا الاحتمال أنّ أغلب مشايخ الصدوق الأوّل هم من مشايخ الكليني أيضا.

1.. راجع: رجال النجاشي : ص ۲۶۱ الرقم ۶۸۴، ورجال الشيخ الطوسي : ص ۴۳۲ الرقم ۶۱۹۱ (۳۴) باب من لم يروِ عن الأئمّة عليهم السلام ، والفهرست للطوسي : ص ۱۵۷ الرقم ۳۹۲ (۱۹)، وخلاصة الأقوال : القسم الأوّل ، ص ۱۷۸ الرقم ۵۳۱ (۲۰)، ورجال ابن داوود : القسم الأوّل ، ص ۱۳۷ الرقم ۱۰۴۰ ، وفهرست ابن النديم : ص ۲۴۶ ، الفن الخامس من المقالة الخامسة، وسِيَر أعلام النبلاء : ج ۱۶ ص ۳۰۳ الرقم ۲۱۲، وغيرها كثير.

2.. روضات الجنّات : ج ۴ ص ۲۷۰ الرقم ۳۹۷.

3.. ترتيب أسانيد كتاب الكافي : ج ۱ ص ۳۲.

4.. اُصول الكافي : ج ۱ ص ۴۶۷ ـ ۴۶۸ ح ۳ و۴ باب ۱۱۷، من كتاب الحجّة .

5.. الوافي : ج ۳ ص ۷۶۴ الرقم ۱۳۸۷ (۴)، و ج ۳ ص ۷۶۵ الرقم ۱۳۸۸ (۵) باب ۱۱۶ من أبواب بدو خلق الحجج .

6.. مرآة العقول : ج ۶ ص ۹ ح ۳.

7.. الوافي : ج ۲ ص ۷۶۴ الرقم ۱۳۸۷ (۴) باب۱۱۶ من أبواب بدو خلق الحجج، بعنوان (بيان)، مرآة العقول : ج ۶ ص ۹ ح ۳.

8.. الوافي : ج ۲ ص ۷۶۴ الرقم ۱۳۸۷ من الباب السابق .

9.. الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي ـ الفروع : ص ۳۶۴ ـ ۳۶۸.

10.. قرأت ذلك في الفهرس المذكور (سنة / ۱۹۸۷ م ) وطلبت بوقتها من الحاج يوسف رحمه الله وكان أمينا على المكتبة أن يريني هذا الكنز الثمين ، فاعتذر لأسباب تخصّ المكتبة نفسها إزاء المخطوطات، وباعتقادي أنّها كانت أسباب أمنيّة قاهرة، إذ لم يمتنع هذا الشيخ رحمه الله من توفير كلّ ما احتجته من المكتبة حين ذاك.

11.. راجع : الصدوق الأوّل / السيّد ثامر العميدي (المؤلّف)، بحث منشور في مجلّة فقه أهل البيت عليهم السلام العددان ۲ و۳، تصدرها مؤسّسة دائرة المعارف الإسلامية، قم / ۱۴۱۶ ه.


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
248
  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 375419
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي