301
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

سابعا ـ كتاب الكافي:

وهو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من مؤلّفات ثقة الإسلام، وهو موسوعة حديثية، فيه إلى جانب ما يلي حاجة الفقيه، والمحدّث، دقائق فريدة تتعلّق بشؤون العقيدة، وتهذيب السلوك، ومكارم الأخلاق.وقد رُزق هذا الكتاب فضيلة الشهرة في حياة مؤلّفه، إذ لا نظير له في بابه، والحديث المفصّل عنه يُبعدنا عن أصل الموضوع وهو (حياة الكليني)؛ ولكون الكافي هو المعبّر الوحيد عمّا يمتلكه الكليني من طاقات علمية، فلابدّ من الحديث المختصر عنه، لتكتمل من خلاله الصورة الواضحة لشخصية مؤلّفه، ودوره العظيم في تطوير ودفع الحركة العلمية والفكرية ـ بهذا الكتاب ـ خطوات واسعة إلى الأمام، فنقول:إنّ الطريق إلى فهم الدين الحقّ بلا عِلْمٍ محال، والعلم بلا تعقّل الأشياء سفسطة، وكلّما ازداد الإنسان علما ازداد فهمه وتعقّله، وازدادت معرفته باللّه عزّ وجل. وكلّما تنامت معرفته بخالقه عظمت خشيته منه وامتثال أوامره؛ لأنّ أعلم الناس بأمر اللّه عزّ وجل أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. وهذا هو الهدف الأسمى في الوجود كلّه.. ومن هنا جعل الكليني رضي اللّه تعالى عنه كتاب العقل والجهل بمثابة الطريق الموصل إلى قلعة الكافي..وبما أنّ قوّة التقليد لا تستمر إلّا بقداسة الماضي في النفوس، وإذا ما ضعفت تلك القداسة أو انعدمت انهار البناء؛ لذا صار التقليد ممقوتا في معرفة حقائق الأشياء، فكان اللازم فهم تلك الحقائق ببديل موضوعي لا يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان وليس هو إلّا القوّة الدائمة (المتواترة) التي تعكس قوّة العقيدة وتجذّرها في الأعماق، الأمر الذي هتفت به مدرسة أهل البيت عليهم السلام بكلّ قوّة وأوصله ثقة الإسلام إلى جميع الاُمّة بأقصر السبل وأكثرها أمانا من خلال كتابي التوحيد والحجّة من كتب الكافي.والكافي لم يغرق في ضبابية الأفكار السطحية أو التجريبية لينفصل بهذا عن الواقع الإسلامي ويبتعد عن حياة الناس في جميع عصورهم، كما نجده في تنظير بعض كتب الحديث لجملة من الأوهام والخرافات التاريخية التي لا تمتلك ما يؤهّلها لأن تتصدّر كلّ حوار إسلامي نظير خرافات التجسيم، والتشبيه، والحلول، والاستواء. فضلاً عن أساطير بعض أشراط الساعة كمعجزات الدجّال ، و(الجسّاسة)، و(ابن صياد)!!؛ ولهذا انطلقت موسوعة الكافي في عالم الحقيقة الرحب وفضاء الدين الفسيح، لتوقّفنا على صورة رائعة وقضية إسلامية في الصميم ما أبعدها عن الخيال الذي يبحث عن موطئ قدم له في عالم الواقع؛ لأنّها تمثّل من الحياة الإسلامية عصارتها، ومن الواقع الديني لبّه.. قضية تبيّن للناس جميعا كيفيّة الارتقاء بالنفس إلى الملكوت الأعلى أو الهبوط بها إلى أسفل السافلين؛ الأمر الذي تصدّى له الكليني بكتاب الإيمان والكفر من كتب الكافي، وشكّل به تحدّيا لجميع كتب الحديث.وهكذا يتمّ استكشاف طبيعة الدور الفكري والحضاري الذي لعبته كتب الكافي الاُخرى في حركة التاريخ الشيعي بعد عصر الغيبة وإلى اليوم، ومن خلال تسليط الباحثين الضوء على بقيّتها بدراسات موضوعية يُعْلَم واقع ما كان يمتلكه الكليني من قدرة في عملية البناء والإبداع والتجديد. ولعلّ شعور الفقيه والمحدّث والفيلسوف والمتكلّم والباحث والمثقّف الإسلامي بالحاجّة الملحّة إلى ما يسعفه ويؤيّد رأيه من الكافي دليلٌ على أنّ روح الكليني لم تزل تحيا مع الجميع وإن مضى الجسد الطاهر في أعماق التاريخ.ومن هنا عرف العلماء قيمة الكافي بوقت مبكّر، ويأتي في طليعتهم تلامذة الكليني الذين بذلوا قصارى جهدهم في استنساخ هذا الكتاب ونشره على الملأ الإسلامي، ويدلّ على ذلك أنّ أوّل من استعان بهذا الكتاب وأشار إليه صراحة معاصر الكليني الشيخ إبراهيم بن سليمان بن وهب ، من آل وهب الشيعة الإمامية المعروفين ، المتوفّى (سنة / 334 ه ) بعد وفاة الكليني رحمه الله بخمس سنين فقط، إذ استعان بكتاب الكافي في كتابه (البرهان في وجوه البيان) ۱ .والمنهج المتّبع في الكافي الشريف لأجل الوصول إلى اُصول الشريعة وفروعها وآدابها وأخلاقها، إنّما هو بالاعتماد على حَمَلَة آثار النبوّة من نقلة حديث الآل عليهم السلام ، الذي هو حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، إذ صرّح أهل البيت عليهم السلام مرارا وتكرارا بأنّهم لا يحدّثون الناس إلّا بما هو ثابت عندهم من أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله ، وأنّهم كانوا يكنزونها كما يكنز الناس ذهبهم وورقهم، وأنّها كلّها تنتهي إلى مصدر واحد، وبإسناد واحد ۲ ، لو قرأته ـ كما يقول أحمد بن حنبل (ت / 240 ه ) ـ على مجنون لبرئ من جِنّته ۳ . ومن ثمرات هذا التضييق في رواية السنّة المطهّرة في الكافي، وحصرها بذلك النمط من حملة الآثار، أنّك لا تجد بينهم لرجال الشجرة الملعونة وأذنابهم وأنصارهم وزنا ولا اعتبارا، ولا للخوارج والنواصب ورواتهم ذِكرا، ولا لمن لم يحفظ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في أهل بيته عليهم السلام ۴ عينا ولا أثرا ۵ .كما لا تجد في أخبار الكافي لمن نافق ممّن تسمّى بالصحابة ولصق بهم خبرا ۶ ، وأمّا عن أخبار المؤمنين منهم، فهي إمّا أن تمرّ طرقها عبر من تجنّب الكليني رواياتهم فلا يروي عنهم ولا كرامة، وإمّا أنْ تمرّ عبر غيرهم ممّن لا طريق لنا في معرفة درجة وثقاتهم؛ إذ لم يسلم علماء جرحهم وتعديلهم من الجرح في أنفسهم، ومن يكن هكذا حاله فلا عبرة في أقواله.ولو تنزَّلنا عن ذلك وقلنا باعتبارها لوثاقة ناقليها جدلاً، فالكليني رحمه الله في غنىً عن تكلّف إسنادها، إذ لا يحتاج في وصلها ـ على طبق منهجه وفرض صحّتها ـ أكثر من أن يسندها إلى من حدّث بها من أهل البيت عليهم السلام ؛ لثبوت حجّية سنّتهم، مع كونهم من أحرص الناس في الحفاظ على السنّة النبوية وتدوينها والأمر بكتابتها وحفظها، هذا فضلاً عن كون الإسناد إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام بعد أصحاب الكساء عليهم السلام أعلى من الإسناد إلى الصحابة، ومن مثل الكليني لا يدع علوّ الإسناد في الرواية عن أهل البيت عليهم السلام لأجل زيد أو عمر، ومن البداهة بمكان أنّه لا يعدل بأهل البيت عليهم السلام أحد من الصحابة وإن جلّ، ولا يوجد فيهم من هو أعلم بما في البيت النبوي الطاهر من أهله المطهّرين، وفي المثل: (أهل البيت أدرى بالذي فيه).إذن، نقل السنّة الشريفة على وفق هذا المنهج، هو من أسدّ النقل وأكثره احتياطا في الدين، والتزاما بحديث الثقلين: كتاب اللّه ، والعترة.وهذا المنهج وإن كان هو المنهج العام عند محدّثي العترة، إلّا أنّ شدّة التزام الكليني به مع ميزات كتابه الاُخرى هي التي حملت الشيخ المفيد قدس سرهعلى القول: بأنّ الكافي من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة ۷ ، كما حملت غيره على الإعجاب بكتاب الكافي والثناء على مؤلّفه ۸ .ومن هنا بذل علماء الشيعة ـ قديما وحديثا ـ جهودا علمية مضنية حول الكافي، فاستنسخوه كثيرا ۹ ، وشرحوا أحاديثه، وأكثروا من تحشيته وتهميشه، وبيّنوا مشتركاته، ووضّحوا مسائله، واختصروه، وحقّقوا أسانيده، ورتّبوا أحاديثه، وصنّفوها على ضوء المصطلح الجديد، وترجموه إلى عِدّة لغات، وطبعوه مرّاتٍ ومرّاتٍ، ووضعوا الفهارس الفنيّة لأبوابه، وأحاديثه، وألفاظه، بحيث وصلت جهودهم حول الكافي إلى أكثر من مائتي كتاب، وبلغ بعضها أكثر من عشرين مجلّدا، فضلاً عن الدراسات الحديثة حوله. وهم مع كلّ هذه الجهود:لم يقل أحد منهم بوجوب الاعتقاد والعمل بجميع ما بين دفّتيه.ولا ادعي إجماع على صحّة جميع ما فيه كما قيل: إنّه «انعقد إجماع العامّة على صحّة البخاري ومسلم» ۱۰ .ولم يُفْتِ أحد من فقهاء الشيعة بشأن الكافي نظير فتيا إمام الحرمين بشأن صحيحي البخاري ومسلم بأنّه: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أنّ كلّ ما في البخاري ومسلم هو من قول النبي صلى الله عليه و آله لما أُلزِم بالطلاق ولا الحنث بيمينه!! ۱۱ ولا كان يقرأ في الشدّة لتفرج، ولا في المراكب لكي لا تغرق، ولم يستسق شيعيّ بقراءته الغَمام كما كان يفعل بكتاب البخاري ۱۲ .ولم ير أحد مناما بشأن الكافي كمنامات الفربري المضحكة بشأن صحيح البخاري ۱۳ .ولم يتجرّأ أحد على القول بأنّ كلّ من روى عنه الكليني صار فوق مستوى الشبهات، كما كان يصرّح أبو الحسن المقدسي بأنّ كلّ من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة، أي لا يلتفت إلى ما قيل فيه، وأيّده على ذلك أبو الفتح القشيري ۱۴ .ولم يُغالِ أحد من شعراء الشيعة بوصف أخبار الكافي، كما غالى البرهان القيراطي في قصيدته العينية بأخبار البخاري، وزاد عليه أبو الفتوح إذ يقول:
كأنّ البخاريَّ في جمعهتلقّى من المصطفى ما اكتتب!!!۱۵
هذا مع أنّ بعض ما اكتتبه البخاري كان من رواية عمران بن حطّان، وعكرمة، وإسماعيل بن أبي أُويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وسُويد بن سعيد وعشرات من نظائرهم الذين عُرفوا بأسوأ ما يُعرف به الرواة.
نعم، لم يقل أحد من الشيعة بنحو هذه الأقوال بشأن الكافي.
وإذا كان الأسترآبادي الأخباري رامَ أن يجعل كلّ أحاديث الكافي قطعيّة الصدور بقرائن لم تنهض بمدّعاه، فقد ردّه محقّقو الشيعة وأثبتوا بطلان هذه الدعوى، ويكفي أنّ من جملة الرادّين عليه هو خاتمة المحدّثين وشيخ الأخباريين العلّامة النوري (ت / 1320 ه ) ۱۶ .
ولم يذهب أحد إلى القول بأنّ الكليني لم يخرّج الحديث إلّا عن الثقة، عن مثله في سائر الطبقات، بل غاية ما يُستفاد من كلامهم، هو أنّ أخبار الكافي مستخرجة من الاُصول المعتبرة التي شاع بين قدماء الشيعة الوثوق بها والاعتماد عليها، إذ كانت مشهورة معلومة النسبة إلى مؤلّفيها الثقات الأثبات.
كما أنّ إعراض الفقهاء عن بعض مرويّات الكافي، لا يدلّ على عدم صحّتها عندهم، ولا ينافي كون الكافي من أجلّ كتبهم، إذ ربّ صحيح لم يُعمل به لمخالفته المشهور، وقد يكون وجه الإعراض لدليل آخر وعلّة اُخرى لا تقدح بصحّة الخبر.
وإذا ما عدنا إلى معنى «الصحيح» عند متقدّمي الشيعة وعرفنا المصطلح الجديد فيه، علمنا أنّ الكليني رحمه الله لم يَجْرِ في الكافي إلّا على متعارف الأقدمين في إطلاق الصحيح على كلّ حديثٍ اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، أو اقترنَ بما يوجب الوثوق به والركون إليه. كوجوده في كتب الاُصول الأربعمائة، أو في كتب مشهورة متداولة، أو لتكرّره في أصل أو أصلين، أو لوجوده في أصل معروف الانتساب إلى واحد ممّن أجمعوا على تصديقهم والإقرار لهم بالفقه والعلم كزُرارة وأضرابه، أو كان منقولاً من أحد الكتب التي شاع الاعتماد عليها سواء كانت من كتب الإمامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبداللّه السجستاني، أو من كتب غير الإمامية ككتاب حفص بن غياث القاضي، وكتاب الحسين ابن عبداللّه السعدي، وكتاب القبلة لعليّ بن الحسن الطاطري ۱۷ .
وعلى أثر فقدان تلك القرائن أو معظمها في عصر السيّد أحمد بن طاووس (ت / 674 ه )، أظهر التصنيف الجديد للحديث، ثمّ تطوّر على يد تلميذه العلّامة الحلّي (ت / 726 ه )، إذ قسّموا الحديث إلى أقسامه المعروفة، وهي:
1 ـ الصحيح: وعرّفوه بأنّه ما اتّصل سنده إلى المعصوم عليه السلام بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات ۱۸ ، وهو كما ترى لا ينطبق على متعارف المحمدين الثلاثة في إطلاق الصحيح.
2 ـ الحَسَن: وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم عليه السلام بإمامي ممدوح مدحا معتدّا به من غير نصّ على عدالته مع تحقّق ذلك في جميع مراتب السند، أو في بعض مراتبه ولو في واحد، مع كون باقي رجال السند من رجال الصحيح ۱۹ .
3 ـ الموثّق: وهو ما دخل في طريقه من نصّ الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته، ولم يشتمل باقي السند على ضعيف. ويقال له: القوي، وقد يميّز بينهما بإطلاق القوي على مروي الإمامي الذي لم يُمدح ولم يُذم ۲۰ .
4 ـ الضعيف: وهو ما لم تجتمع فيه شروط أيٍّ من الأصناف الثلاثة المتقدّمة ۲۱ .
ثمّ حاول المتأخّرون وشرّاح الكافي تطبيق هذا الاصطلاح على أحاديث الكافي حتى بلغ الضعيف من أحاديث الكافي ـ بحسب الاصطلاح الجديد ـ (9485) حديثا، وما تبقّى من الأحاديث موزّعا كالآتي: الصحيح = (5072) حديثا، والحسن = (144) حديثا والموثّق = (1128) حديثا.
وقد علمت أنّ تطبيق الاصطلاح على أحاديث الكافي لم يُلحظ فيه ما جرى عليه ثقة الإسلام من إطلاق لفظ الصحيح على ما اقترن بالقرائن المتقدّمة التي صار فقدان معظمها سببا للتصنيف الجديد.
وهذا هو الذي نعتقده، إذ لو كانت الأحاديث الضعيفة بهذا المقدار واقعا، فكيف يصحّ لمثل الشيخ المفيد أن يقول عن الكافي بأنّه من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدةً؟ وكيف يشهد من مثل النجاشي بأنّ الكليني كان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم؟
ومن هنا يعلم بأنّ ما قام به محمّد باقر البهبودي من انتقاء الصحيح من الكافي، وجمعه في كتابه (زبدة الكافي) ۲۲ ، إنّما هو انتقاء بحسب المصطلح الجديد، كما أنّه ليس مبتكرا لهذا العمل، بل سبقه إليه بعض أعلام الطائفة وشيوخها، كالشيخ حسن بن الشهيد الثاني (ت / 1011 ه ) في كتابه «منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحِسَان». وليس في عمل الشيخ حسن رحمه اللهما يوحي بانحصار «الصحاح والحسان» بما في «منتقى الجمان»، بخلاف الحال في «زبدة الكافي».
وهذا العمل لا يكون وسيلة للطعن ـ كما قد يتوهّمه البعض ـ في أصل الكافي؛ لابتنائه على أساس ليس مُلتَزَما للكليني، وهو الاصطلاح الجديد.
وليس الغرض المؤاخذة على اتّخاذ هذا المنهج وإن كنت أعتقد خطأه، بل المؤاخذة على استخدام اسم الكافي وتحميله منهجا لم يلتزم به الكليني أصلاً.
وبقطع النظر عن فساد المنهج وصحّته، فلنا أن نؤاخذه أيضا على عدم استحكام تطبيق منهجه، وفرقٌ بين نقد المنهج وبين كيفية استخدامه.
لقد أخفق البهبودي في جمع كلّ ما هو صحيح ـ حتى على المصطلح الذي التزمه، والمنهج الذي انتهجه ـ فترك الكثير ممّا هو صحيح ولم يورده في كتابه، وهذا يَنُمُّ عن وجود ثغرات واسعة، بل أخطاء كثيرة في عمله.
وكمثال على ما نقول: أنّك لا تجد في (زبدة الكافي) الحديث الثالث من باب الماء الذي لا ينجّسه شيء ۲۳ مع أنّ رجاله كلّهم من الصحيح، والظاهر أنّه تُركَ لأنّ ظاهره من قول زرارة في الكافي، إذ لم يرفعه إلى المعصوم عليه السلام ، ولكن الشيخ الطوسي رواه بالنصّ عن الكليني، مسندا إلى أبي جعفر عليه السلام ۲۴ ، وهذا السند من الصحيح بحسب الاصطلاح اتّفاقا، لكن الحديث اُهمل في زبدة الكافي.
والشيء نفسه ينطبق مع الحديث الرابع من أحاديث باب طهور الماء، فقد رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبدالرحمن، عن عبداللّه ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ۲۵ ، وهذا السند من الصحيح بحسب الاصطلاح اتّفاقا، ومع هذا فلم يذكر الحديث في زبدة الكافي!
والطريف أنّ متن هذا الحديث هو متن الحديث الخامس من الباب المذكور بلا أدنى اختلاف، فكلاهما في سؤال الإمام الصادق عليه السلام عن ماء البحر: أطهور هو؟ فكان الجواب في الموردين بـ : «نعم». وفي زبدة الكافي انتقى الحديث الخامس دون الرابع!
وكمثال ثالث ما ورد في الكافي بهذا السند:
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد (وهو ابن عثمان)، عن الحلبي (وهو عُبيداللّه بن علي) عن أبي عبداللّه عليه السلام . وهذا السند صحيح بلا خلاف، وقد أخرجه صاحب المنتقى عن الكافي ۲۶ ؛ لكنّه أُهمل في زبدة الكافي.
وكمثال أخير، فأءنّه لم يذكر في زبدة الكافي الحديث المروي في باب رواية الكتب والحديث بهذا السند: «وعنه ـ أي: عن محمّد بن يحيى ـ ، عن أحمد بن محمّد ـ وهو ابن عيسى ـ ؛ ومحمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن عبداللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يجيئني القوم فيستمعون منّي حديثكم...» ۲۷ على الرغم من صحّة السند بحسب الاصطلاح.
وثمّة شيء آخر يجب الالتفات إليه وهو كون الأحاديث الضعيفة في الكافي بحسب الاصطلاح، غالبا ما تجد مضامينها أو نصوصها مخرّجة من طرق اُخرى صحيحة في الأبواب نفسها التي اشتملت على تلك الضعاف فيما تتبّعناه. وهذا يعني أنّ شهرة الخبر روائيّا لم تلحظ في هذا المنهج؛ لأنّ أغلب الأسانيد التي أهملها اتّفقت متونها إمّا بالنّص تارةً أو المضمون اُخرى مع المتون المروية بالأسانيد الصحاح، ومع هذا فإنّ ما فاته من الصحيح غير قليل.
ومهما يكن ، فإنّ من لا خبرة له قد يظنّ بأنّ التصنيف الجديد قد أودى بثلثي أخبار الكافي متّخذا من زبدة البهبودي مثالاً، وهو ليس كذلك كما بيّناه.

1.. ذكر هذا الدكتور حسين مدرسي طباطبائي في مجموعة مقالات باللغة الفارسية بعنوان (مكتب در فرايند تكامل) ص: ۱۶ هامش ۹۱، وهذا الاُستاذ من المقيمين في الولايات المتّحدة الأمريكية، وهو من أساتذة جامعة شيكاغو، وقد التقيت به في مدينة قم المقدّسة قبل أكثر من عشر سنين في أثناء زيارته إلى بلده إيران.

2.. وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى يمكن أن تكوّن بمجموعها مثالاً جيّدا للتواتر المعنوي، اُنظر: المحاسن : ص ۱۵۶ ح ۸۷ و ۱۸۵ ح ۱۹۴، وتفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۳۳۱ ح ۴۶، واُصول الكافي : ج ۱ ص ۵۳ ح ۱۴ باب ۱۷ من كتاب فضل العلم، و ص ۴۲ ح ۱۰، وكفاية الأثر : ص ۳۲۷، والاحتجاج : ص ۳۲۷، ووسائل الشيعة : ج ۲۷ ص ۱۰۴ ح ۸۵ و ۸۶ باب ۸ من أبواب صفات القاضي، و ج ۲۷ ص ۱۴۷ ح ۳۲ باب ۱۱ من أبواب صفات القاضي .

3.. الصواعق المحرقة : ص ۳۰۳ .

4.. ورد في الحديث الشريف : «من حفظني في أهل بيتي فقد اتّخذ عند اللّه عهدا» الصواعق المحرقة : ص ۱۵۰.

5.. يدخل في هذا الصنف جميع رواة العامّة الذين عاصروا أهل البيت عليهم السلام ، وتعمَّدوا ترك الرواية عنهم عليهم السلام .

6.. كان ابن عبّاس رضى الله عنه يسمّي سورة التوبة بالفاضحة لأنّها فضحت المنافقين من الصحابه ولم تدع أحدا منهم إلّا أتت عليه، وسمّاها قتادة بن دعامة التابعي بالمثيرة؛ لأنّها أثارت مخازيهم، وسمّاها آخر بالمبعثرة؛ لأنّها بعثرت أسرارهم. راجع: معالم التنزيل : ج ۳ ص ۳، والتبيان في تفسير القرآن : ج ۵ ص ۱۶۷، ومجمع البيان : ج ۳ ص ۷۸ ، وعلى الرغم من هذه الحقائق القرآنية تجد من يقول إلى اليوم بأُسطورة عدالتهم جميعا بما في ذلك الوغد المجرم معاوية وزبانيته!!

7.. تصحيح الاعتقاد : ص ۷۰ فصل في النهي عن الجدال .

8.. كما في مرآة العقول : ج ۱ ص ۳، والوافي : ج ۱ ص ۶، ورياض العلماء : ج ۲ ص ۲۶۱، ولؤلوة البحرين : ص ۵ ، ورجال السيّد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجالية : ج ۳ ص ۳۳۰، وكشف الحجب : ص ۴۱۸، ومستدرك الوسائل : ج ۳ ص ۵۳۲ ، وروضات الجنّات : ج ۶ ص ۱۱۶، والكنى والألقاب : ج ۲ ص ۹۸، وسفينة البحار : ج ۲ ص ۴۹۴، وتنقيح المقال : ج ۳ ص ۲۰۲، والذريعة : ج ۱۷ ص ۲۴۵ . وقد وردت في الإجازات العلمية المودعة في الأجزاء الأخيرة من البحار كالجزئين ۱۰۸ و۱۰۹ شهادات ضافية لمشاهير علماء الشيعة تشيد بكتاب الكافي باعتباره أهمّ مُصنَّف في الحديث في الإسلام .

9.. بلغت نسخه الخطيّة (۴۸۹) نسخة موزّعة على مكتبات العالم الإسلامية وغيرها بحسب الفهرس الشامل لمخطوطات الحديث وعلومه المطبوع في الأردن فيما تتبّعناه، وقد فاته الكثير ممّا في مكتبات الشيعة من نسخ الكافي.

10.. فيض الباري على صحيح البخاري : ج ۱ ص ۵۷ .

11.. صحيح مسلم بشرح النووي : ج ۱ ص ۱۹ من المقدّمة .

12.. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري : ج ۱ ص ۲۹ .

13.. فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ج ۱ ص ۴۹۰ من المقدّمة .

14.. المصدر السابق : ج ۱ ص ۳۸۱ من المقدّمة .

15.. إرشاد الساري : ج ۱ ص ۳۰، وقد اضطرّ المغالون بصحيح البخاري إلى الاعتذار عنه ببعض التوجيهات الواهية لروايته عن اُولئك الدجاجلة الكذّابين ، وفيهم من هو أشرّ من الشيطان الرجيم كعمران بن حطّان الوغد اللئيم اللعين على لسان رسول ربّ العالمين صلى الله عليه و آله وسلم ، من قبيل عدّهم لرواياته وروايات نظائره ـ في (صحيح) البخاري ـ في جملة الشواهد والمتابعات، ونحو ذلك ممّا لا يغني ولا يسمن من جوع.

16.. خاتمة مستدرك الوسائل : ج ۳ ص ۵۳۳ من الفائدة الرابعة .

17.. راجع معنى الصحيح عند القدماء في: منتقى الجمان : ج ۱ ص ۱۴، ومشرق الشمسين : ص ۳ ، والفوائد المدنية : ص ۵۳، وخاتمة وسائل الشيعة : ج ۳۰ ص ۲۴۳ ـ ۲۴۷ من الفائدة الثامنة، والوافي : ج ۱ ص ۲۲ ـ ۲۳، ومقباس الهداية : ج ۱ ص ۱۳۹، ومستدركات مقباس الهداية : ج ۵ ص ۹۰ ـ ۹۳ المستدرك رقم ۳۴ .

18.. وصول الأخيار إلى اُصول الأخبار : ص ۹۲، الدراية : ص ۱۹، الرواشح السماوية : ص ۴۰، ومقباس الهداية : ج ۱ ص ۱۴۶ و ۱۵۷.

19.. المصدر السابق : ص ۹۵، الدراية : ص ۲۱، الرواشح السماوية : ص ۴۱، مقباس الهداية : ج ۱ ص ۱۶۰، نهاية الدراية / حسن الصدر: ص ۲۵۹ .

20.. وصول الأخيار : ص ۹۷، الدراية : ص ۳۳، الرواشح : ص ۴۱، المقباس : ج ۱ ص ۱۶۸، نهاية الدراية : ص ۲۶۴.

21.. المصدر السابق : ص ۹۸، الدراية : ص ۲۴، الرواشح : ص ۴۲، المقباس : ج ۱ ص ۱۷۷، نهاية الدراية : ص ۲۶۶.

22.. هذا هو عنوان الكتاب في طبعته الثانية، أمّا عنوانه في الاُولى فهو (صحيح الكافي)!

23.. فروع الكافي : ج ۳ ص ۱۰ ح ۳. وسنده: علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة.

24.. الاستبصار : ج ۱ ص ۴۹ ح ۴ .

25.. فروع الكافي : ج ۳ ص ۹ ح ۴ .

26.. منتقى الجمان : ج ۱ ص ۵۲ وانظر: فروع الكافي : ج ۳ ص ۴ ح ۶ باب ۳ من كتاب الطهارة.

27.. اُصول الكافي : ج ۱ ص ۱۰۲ ح ۵ باب ۱۷ من كتاب فضل العلم.


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
300
  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 308779
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي