391
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

35 ـ أبو المفضّل الشيباني:

من مشاهير تلامذة الكليني والراوين كتابه الكافي عنه ۱ ، ثقة، لم يثبت التضعيف بحقّه.
قال النجاشي: «محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عبيد اللّه بن البهلول بن همام بن المطلب بن همام بن بحر بن مطر بن مرّة الصغرى بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان، أبو المفضّل. كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، وكان في أول أمره ثبتاً، ثم خلّط. ورأيت جُلّ أصحابنا يغمزونه، ويضعّفونه، له كتب كثيرة ـ ثم ذكر أسماء بعضها وقال: ـ رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً، ثم توقّفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه» ۲ .
والمعروف أنّ أبا المفضّل مات (سنة / 387 ه )، عن تسعين سنة، ومات النجاشي (ت بعد سنة / 463 ه )؛ ولهذا قال العلّامة الطهراني رحمه الله معقّباً على قول النجاشي: «فَتَرْكُهُ الرواية عنه إلّا بالواسطة، إنّما هو لاحتياطه من جهة صغر سنّه وقت السماع، لامن جهة غمز الأصحاب فيه، لأنّه حكى الغمز عنهم من دون تصديق» ۳ .
على أنّ النجاشي لم يدع التحديث عن أبي المفضّل كلّياً، حتى ولو بلفظ (قال)، نعم ترك التحديث عنه بلفظ (حدّثني)، و (أخبرني)، وأمّا النقل عنه مقروناً ـ وبلفظ (قال) ـ فقد وقع منه، كما في ترجمة محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن إسماعيل الكاتب المعروف بابن أبي الثلج ۴ ، ومحمّد بن جعفر بن أحمد بن بُطّة المؤَدِّب ۵ .
وقال الشيخ في الفهرست : «محمّد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني، يكنّى : أبا المفضَّل، كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا. له كتاب الولادات الطيّبة الطاهرة، وله كتاب الفرائض، وله كتاب المزار، وغير ذلك. أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ـ عنه ـ جماعة من أصحابنا» ۶ .
وقال في رجاله: «كثير الرواية، إلّا أنّه ضعّفه قوم، أخبرنا عنه جماعة» ۷ .
وقال العلّامة في الخلاصة: «كثير الرواية، حسن الحفظ، ضعّفه جماعة من أصحابنا. وقال ابن الغضائري: إنّه وضّاع ، كثير المناكير، رأيت كتبه، وفيها الأسانيد من دون المتون، والمتون من دون الأسانيد. وأرى ترك ما تفرّد به » ۸ .
وأعاد ذكره في الخلاصة مكتفياً ببعض ما ذكره النجاشي في ترجمته ظنّا منه ـ قدّس سرّه ـ أنّهما إثنان؛ لاختلاف بعض الأوصاف ۹ .
والكلام المنسوب إلى ابن الغضائري من قبل العلّامة الحلّي لايعبأ به، نظراً لما في كتاب ابن الغضائري من إشكال، حيث لا يُعرف له طريق البتة، ولو كان الأمر كذلك لما فات كلامه على الشيخ والنجاشي وهما من تلامذته.
على أنّ العلّامة لم يَرُدّ حديثه مطلقاً، وإنّما تركه في صورة التفرّد بنقله.
وشهادة النجاشي بأنّه كان ثبتاً ثم خلّط، مع شهادة الشيخ بأنّه حسن الحفظ، يدلّان دلالة صريحة على أنّه ذو حالتين حالة استقامة وحالة تخليط، ومبعث التخليط عادة هو المرض أو كبر السن، ولا صلة له بالوضع والكذب، وهذا لايلغي صحة ماسمعه في وقت تثبَّته، والعَلَامة الفارقة في معرفته أن يكون حديثه مخرّجاً من وجه صحيح، أو معتضداً بقرينة تؤيّده .
وقد أورده ابن داوود في قسمي رجاله: الثقات ۱۰ ، والضعفاء ۱۱ معاً. وذكر الشيخ النمازي في مستدركاته ما استدلّ به على حسنه ۱۲ .
وأمّا عن العامّة، فقد أساءوا القول في ترجمته جدّاً كما هو ديدنهم في من يروي شيئاً في مثالب الباغي الطليق معاوية وأمثاله من الصحابة المنافقين، كما سنرى بعد قليل.
فقد وصفوه بأنّه كان يضع الحديث للرافضة، وإن الدارقطني كذّبه، ورماه ابن طاهر الدقّاق بالوضع ۱۳ ، ولا عبرة بأقوالهم، بل ينبغي عدّها أمارة على وثاقته، فقد وضّح ابن عساكر أصل هذا التحامل على أبي المفضَّل رحمه الله، فحكى عن أبي ذر الهروي أنّه قال: «تركت الرواية عن أبي المفضَّل، إلّا أنّي أخرجته في المعجم للمعرفة ؛ لأنّي سمعت الدارقطني يقول: كنت أتوهّمه من رهبان هذه الاُمّة، وسألته الدعاء لي، فنعوذ باللّه من الحَوْر بعد الكور» ۱۴ ، ثم نقل عن الهروي أيضاً قوله: «إنّه قعد للرافضة وأملى عليهم أحاديث ذكر فيها، مثالب الصحابة، وكانوا يتّهمونه بالقلب والوضع» ۱۵ .
وقد بيّن ابن حجر أيضا سبب تركهم الرواية عن أبي المفضّل وتضعيفه، فقال بعد نقل كلام أبي ذر الهروي إلى قوله (فنعوذ باللّه من الحور بعد الكور)، مانصّه : «يعني سبب ذلك أنّه قعد للرافضة وأملى عليهم أحاديث ذكر فيها مثالب الصحابة» ۱۶ .
وهذا السبب لا يعتدّ به في التضعيف ؛ لأنّ المتّهم بالكذب والنفاق من الصحابة ليس بقليل، وقد شهد القرآن الكريم على انقلابهم إلّا من عصم اللّه ، كما شهدت السنّة المتواترة على هلاك معظمهم يوم الورود، كما في أحاديث الصحاح المصرّحة بأنّه لا ينجو منهم إلّا بقدر همل النعم، وإنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقهرى، وما أحاديث الصحاح والسنن القائلة: «أُصيحابي» إلّا شاهدا على صدق أبي المفضّل الشيباني رحمه اللهفيما رواه من مثالبهم وقبائحهم، ولا حاجة بنا إلى ذكرها بعد شهرتها ومعرفة كلّ الباحثين بها.
ولو لم يكن منها إلّا حديث عمّار في صحيح مسلم وغيره: «في أصحابي إثنا عشر منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط» ۱۷ لكفى.
ومن هنا يتبيّن أنّ ذكر مثالب الصحابة لا يلغي اعتراف بعض العامّة أنفسهم بأنّ أبا المفضَّل رحمه الله كان ـ على حدّ تعبيرهم ـ يشبه الشيوخ، وكان ذا سمت ووقار، حسن الهيئة، جميل الظاهر، نظيف اللبسة، حافظاً، عارفاً بالفن، مصنّفاً ۱۸ ، ولهذا روى عنه ـ باعترافهم شيوخ الشاميين، والمصريين، والعراقيين، والحجازيين، وأهل الثغور.
وفي تعوّذ الدارقطني من النقصان بعد الزيادة دليل واضح على أنّ أبا المفضَّل كان ممتلئاً بالفضل والفضيلة، إلّا أنّ مثالب الطلقاء، والمنافقين الذين لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، والباغين، وغيرهم من حثالات الصحابة، هي التي أودت ـ بنظر اُولئك ـ بحفظه، ومعرفته بالفن، وبسمعته ووقاره رضي اللّه عنه وأرضاه !!

1.. الفهرست للطوسي : ص ۲۱۱ الرقم ۶۰۲ (۱۷) في ترجمة الكليني، كفاية الأثر : ص ۲۶۶ و ۲۹۳ .

2.. رجال النجاشي : ص ۳۹۶ الرقم ۱۰۵۹ .

3.. طبقات أعلام الشيعة ـ القرن الرابع : ص ۲۸۱، الذريعة : ص ۳۱۶، ونحوه في منتهى المقال : ج ۶ ص ۱۰۰ الرقم ۲۷۲۲. وكان أصل هذا القول للمجلسي الأوّل، حيث قال بوثاقة أبي المفضّل وردّ على ابن الغضائري بأحسن الوجوه، وذلك في كتابه (روضة المتّقين) : ج ۱۴ ص ۴۴۰ ـ ۴۴۱ .

4.. رجال النجاشي: ص ۳۸۱ ـ ۳۸۲ الرقم ۱۰۳۷.

5.. المصدر السابق : ص ۳۷۲ ـ ۳۷۳ الرقم ۱۰۱۹.

6.. الفهرست للطوسي : ص ۲۱۶ الرقم ۶۱۰ (۲۵).

7.. رجال الشيخ الطوسي: ص ۴۴۷ الرقم ۶۳۶۰ (۱۱۰) باب من لم يرو عنهم عليهم السلام .

8.. خلاصة الأقوال : القسم الثاني ، ص ۳۹۷ الرقم ۱۶۰۱ (۲۷).

9.. المصدر السابق : القسم الثاني ، ص ۴۰۳ الرقم ۱۶۲۷ (۵۳).

10.. خلاصة الأقوال : القسم الأوّل ، ص ۱۷۷ الرقم ۱۴۳۶ .

11.. المصدر السابق : القسم الثاني ، ص ۲۷۳ الرقم ۴۶۳ .

12.. مستدركات علم رجال الحديث : ج ۷ ص ۱۸۸ الرقم ۱۳۷۹۱ .

13.. تاريخ بغداد : ج ۵ ص ۴۶۶ ـ ۴۶۸ الرقم ۳۰۱۰ ، الضعفاء والمتروكين : ج ۳ ص ۸۰ الرقم ۳۰۹۹.

14.. أي : من النقصان بعد الزيادة .

15.. تاريخ دمشق : ج ۵۴ ص ۱۸ الرقم ۶۵۶۵ .

16.. لسان الميزان : ج ۶ ص ۲۴۸ ـ ۲۵۰ الرقم ۷۶۶۴.

17.. صحيح مسلم : ج ۴ ص ۱۷۰۱ الرقم ۲۷۷۹، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، الآحاد والمثاني : ج ۲ ص ۴۶۵ ـ ۴۶۶ الرقم ۱۲۷۰، الجامع الصغير : ج ۲ ص ۲۲۴ الرقم ۵۹۴۴، كنز العمّال ج ۱ ص ۱۶۹ ح ۸۵۶ ، و ص ۱۷۰ ح ۸۵۷ وفي المورد الأوّل رواه عن مسند أحمد وصحيح مسلم ، ولم نجده في المسند !

18.. راجع هذه الأقوال في تاريخ بغداد : ج ۵ ص ۴۶۶ ـ ۴۶۸ الرقم ۳۰۱۰، وتاريخ دمشق : ج ۵۴ ص ۱۴ ـ ۱۸ الرقم ۶۵۶۵، وتاريخ الإسلام : ص ۱۵۷ في حوادث ووفيات السنين ( ۳۸۱ ـ ۴۰۰ ه) ، ولسان الميزان : ج ۶ ص ۲۴۸ ـ ۲۵۰ الرقم ۷۶۶۴ .


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
390

34 ـ أبو غالب الزراري:

هو الشيخ أحمد بن محمّد بن محمّد بن أبي طاهر سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين بن سنسن، وُلِد (سنة / 285 ه )، ومات رحمه الله (سنة / 368 ه )، والزراري نسبة إلى زرارة بن أعين، قال أبو غالب في رسالته المشهورة في ذكر آل أعين: «وكانت اُمّ الحسن بن الجهم ابنة عبيد بن زرارة، ومن هذه الجهة نسبنا إلى زرارة، ونحن من ولد بكير، وكنّا ـ قبل ذلك ـ نعرف بولد الجهم» ۱ ، وهو أشهر من أن يقال بحقّه : ثقة، أو عين.
قال النجاشي: «وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم» ۲ .
وقال في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك: «شيخنا الجليل الثقة ، أبو غالب الزراري» ۳ .
وقال الشيخ في الفهرست : «وكان شيخ أصحابنا في عصره، واستاذهم، وثقتهم» ۴ .
وقال في الرجال : «جليل القدر، كثير الرواية، ثقة، روى عنه التلعكبري، وسمع منه سنة أربعين وثلاثمائة» ۵ .
ووثّقه العلّامة ۶ ، وابن داوود ۷ ، وسائر المتأخّرين .
وعدّه العلّامة النوري ممّن تلقّوا كتاب الكافي عن مصنّفه، ورووه عنه، واستنسخوه، ونشروه، وإلى نسخهم تنتهي نسخته ۸ ويؤيّده ما قاله أبو غالب الزراري نفسه، قال رحمه اللّه : «وجميع كتاب الكافي تصنيف أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني روايتي عنه، بعضه قراءة، وبعضه إجازة.
وقد نسخت منه كتاب الصلاة والصوم في نسخة، وكتاب الحج في نسخة، وكتاب الطهر والحيض في جزء، والجميع مجلّد.
وعزمي أن أنسخ بقية الكتاب ـ إن شاء اللّه ـ في جزء واحد، ورق طلحيّ» ۹ .
وبهذا قطعت جهيزة قول كلّ خطيب.

1.. رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين : ص ۱۱۶ الفقرة [ ۴ ] .

2.. رجال النجاشي: ص ۸۴ الرقم ۲۰۱ .

3.. المصدر السابق : ص ۱۲۲ الرقم ۳۱۳ .

4.. الفهرست للطوسي : ۷۸ الرقم ۹۴ (۳۲) .

5.. رجال الشيخ الطوسي : ص ۴۱۰ الرقم ۵۹۵۳ (۳۴) باب من لم يرو عنهم عليهم السلام .

6.. خلاصة الأقوال : القسم الأوّل ، ص ۶۷ الرقم ۸۷ (۲۲).

7.. رجال ابن داوود : القسم الأوّل ، ص ۴۳ الرقم ۱۲۵ .

8.. خاتمة وسائل الشيعة : ج ۳ ص ۴۷۱ من الفائدة الرابعة .

9.. رسالة أبي غالب الزراري : ص ۱۷۶ ـ ۱۷۷ الرقم ۹۰.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305047
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي