49
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
48

ج ـ المستدركة:

وهم قوم من النجّارية زعموا أنّهم استدركوا على أسلافهم ما خفي عليهم.
ومن آراء النجّارية أنّ اللّه تعالى مريد لنفسه، عالم لنفسه، مريد للخير والشرّ، والنفع والضرّ، ومعنى كونه مريدا أنّه غير مستكره ولا مغلوب، وقال بعضهم بنظرية الكسب الأشعرية في مسألة خلق الأعمال، ووافقوه أيضا في أنّ الاستطاعة مع الفعل ولكنّهم خالفوا الأشعري؛ إذ نفوا رؤية اللّه تعالى يوم القيامة بالأبصار وقالوا باستحالتها.
كما أوجبوا تحصيل المعرفة بالنظر والاستدلال قبل ورود السمع، والإيمان عندهم عبارة عن التصديق ۱ .

6 ـ المذاهب العامّية:

انحصر وجود المذاهب العامية بالريّ في مذهبين، وهما: المذهب الحنفي، والمذهب الشافعي. وأمّا مذهب المالكية، فقد كان امتداده في المغرب الإسلامي بفضل تلامذة مالك ابن أنس من أولاد الماجشون المغاربة، ولم يمتدّ إلى المشرق الإسلامي كثيرا، وأمّا عن مذهب أحمد بن حنبل، فهو أقلّ المذاهب الأربعة العامّية أتباعا، وآخرها نشأة، ولم تكن له تلك القدرة العلمية الكافية التي تسمح له بالإمتداد خارج محيطه بغداد في عصر نشأته، سيّما وأنّ أحمد بن حنبل لم يكن فقيها، بل كان محدّثا؛ ولهذا أهمله الطبري ـ المعاصر لثقة الإسلام الكليني ـ في كتابه الشهير اختلاف الفقهاء. الأمر الذي يفسّر لنا عدم امتداد فكر أتباعه في عصر الكليني إلى الريّ على الرغم من وقوف السلطة العبّاسية إلى جانب الحنابلة بكلّ قوّة ، كما سيأتي في الحياة الثقافية والفكرية ببغداد.
ومهما يكن فإنّ الغالبية العظمى من أهل الريّ كانت على مذاهب العامّة الحنفية والشافعية، إلّا أنّ الأكثر هم الأحناف، ثمّ يأتي بعدهم الشافعية، ثم انحسر الوجود العامّي في الريّ بعد (سنة / 275 ه ) كما سيأتي في الحديث عن المذهب الشيعي في الريّ ، وبهذا صرّح الحموي في معجم البلدان قائلاً: «وكان أهل الريّ أهل سنّة وجماعة..» ۲ وقال: «وكان أهل الريّ ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقلّ، وحنفية وهم الأكثر..» ۳ .
ونتيجة لهذا الخليط الواسع في الريّ ، من نواصب وزيدية ومعتزلة وجبرية وأحناف وشافعية، فقد ظهر الكذّابون والمتروكون في تلك البلاد، وقد عرف منهم الكثير من الوضّاعين من أمثال صباح بن عازب الرازي، وعبداللّه بن داهر، وعمرو بن زياد الثوباني وغيرهم من الكذّابين والوضّاعين، ومن أحاديثهم الموضوعة في فضل الريّ حديث: «من بات بالريّ ليلة واحدة صلّى فيها وصام فكأنّما بات في غيره ألف ليلة صامها وقامها» ۴ .
كما كثر المنجّمون في تلك البلاد بصورة واسعة، حتى أنّ الفضل بن الربيع كان يرجع إليهم في بعض ما أهمّه ۵ .
وأمّا عن علماء العامّة فقد برز منهم في ذلك العصر بعض الفقهاء والمحدّثين، ونقلة الأخبار، الذين أسهموا بدورهم في تنشيط الحركة الفكرية في الريّ كأحمد بن الفرات الرازي (ت / 258 ه ) ومحمّد بن علي بن علوية الجرجاني الشافعي الرازي (ت / 290 ه )، ومحمّد بن عمر بن هشام الرازي المعروف بالقماطيري الذي مات بمرو حدود (سنة / 292 ه )، وعلي بن سعيد بن بشير الرازي (ت / 299 ه ) ومحمّد بن زكريا الرازي الذي مات بالريّ (سنة / 311 ه ) وعبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي مات بالريّ قبل وفاة ثقة الإسلام الكليني رحمه الله بسنتين أي: في (سنة / 327 ه )، وعبدالرحمن ابن سلمويه الرازي (ت / 339 ه )، ومحمّد بن عبداللّه بن جعفر بن عبداللّه بن الجنيد الرازي (ت / 347 ه )، وابنه تمام الذي ولد (سنة / 303 ه ) قبل وفاة الكليني بستّ وعشرين سنة، ومات (سنة / 414 ه )، وأبي زرعة الرازي الصغير أحمد بن الحسين الذي مات بطريق مكة (سنة / 375 ه ) كما دخل الريّ مشاهير فقهاء ومحدّثي العامّة.
فهذا مسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت / 261 ه ) صاحب الصحيح، دخل الريّ وعرض كتابه في الريّ على أبي زرعة الرازي الكبير (ت / 264 ه )، فأنكر عليه وتغيظ وقال له متعجّبا: سمّيته الصحيح! ثم عرضه ثانيا على أبرز علماء الحديث من العامّة في الريّ وهو محمّد بن مسلم بن دارة، فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا ممّا قال له أبو زرعة الرازي ۶ .
ودخلها الطبري العامّي المفسّر (ت / 310 ه ) وأخذ العلم فيها عن محمّد بن حميد الرازي كما في سائر مصادر ترجمة الطبري.
هذا فضلاً عن وجود طبقة اُخرى من الرواة الرازيين أو الذين دخلوا الريّ في عصور الأئمّة عليهم السلام ورووا الحديث عنهم، أو عُدُّوا من أصحابهم كما يظهر بكلّ وضوح من رجال الشيخ الطوسي الذي لم يقتصر فيه على ذكر أصحاب الأئمّة عليهم السلام من الشيعة، وإنّما ذكر غيرهم أيضا، ومنهم جملة من الرازيين، وهو ما سيأتي في الحديث عن مذهب الشيعة في الريّ.

1.. راجع : فِرَق النجّارية وآراءهم في كتاب الفَرْق بين الفِرَق : ص ۲۲ و۲۵ و۲۰۷ و۲۰۸ و۲۰۹، والملل والنحل : ج ۱ ص ۹۸ و۹۹ .

2.. معجم البلدان : ج ۳ ص ۱۲۱ (الريّ) .

3.. المصدر السابق : ج ۳ ص ۱۱۷ (الريّ).

4.. تذكرة الموضوعات : ص ۱۲۰ .

5.. فرج المهموم : ص ۱۸۷ .

6.. راجع : أضواء على السنّة المحمديّة : ص ۳۱۰.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305012
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي