سادسا ـ تدهور الوزارة:

مرّت الوزارة في ظلّ الدولة العبّاسية في هذا العصر بتجارب قاسية، وثبت فشلها في عصر الكليني ببغداد، إذ أخفق الوزراء في أعمالهم، ولم يحسنوا القيام بأعباء وزارتهم، وكان همّهم الاستحواذ على أكبر قدر من الأموال، غير آبهين بشؤون الدولة، وأمن الناس، بل كانوا إلبا مع الأتراك في معظم ما حصل في البلاط العبّاسي من عزل وتنصيب!
ولهذا كانوا سريعا ما يتمّ عزلهم، ويتعرّضون بعد العزل إلى ضروب شتى من الإهانة والتنكيل، والسجن، والعذاب، ونهب الأموال، والقتل أحيانا، ونتيجة للفوضى التي عمّت هذا العصر للأسباب الآنفة جاءت محاولات بعض الوزراء الدهاة بهدف إعادة هيبة الدولة، ولكنّها لم تصمد طويلاً، ثمّ باءت بالفشل الذريع، حيث فات الأوان، وخرج الأمر من أيدي ملوك بني العبّاس إلى النساء والخدم والجواري وقادتهم من الأتراك!!
ويكفي مثالاً على ما وصلت إليه الوزارة في زمان ثقة الإسلام ببغداد ما ذكره الصابي بشأن وزراء المقتدر كأبي الحسن بن الفرات الذي ولي الوزارة ثلاث دفعات في السنوات (296 و299 و306 ه )، حيث كان يُعزل بعد كلّ مرّة ويُهان ويحبس ويؤتى بوزير جديد، ثمّ يعزل الوزير الجديد ويهان ويحبس، ويعاد ابن الفرات للوزارة من جديد، وهكذا حتى قتل بعد عزله للمرّة الثالثة وقطعوا رأسه ورأس ولده المحسن ورموا جسدهما في دجلة ^۱ .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية في وزارة أبي الحسن علي بن محمّد بن الفرات: «ولّاه المقتدر الوزارة ثمّ عزله، ثمّ ولّاه ثمّ عزله، ثمّ ولّاه ثمّ عزله، ثمّ ولّاه ثمّ عزله، ثمّ ولّاه ثمّ قتله في هذه السنة وقتل ولده وكان ذا مال جليل» ^۲ وفي هذا ما يدلّ على توليته الوزارة خمس مرّات وقتله في الخامسة بخلاف ما تقدّم عن الصابي.
وقال المسعودي: «استوزر المقتدر اثني عشر وزيرا فيهم من وزر له المرّتين والثلاث ^۳ ثمّ عدد أسماء من تولّوا الوزارة للمقتدر منذ اليوم الأوّل من سلطته وإلى أن قتل في مدّة ربع قرن ^۴ .
وأمّا الوزارة في زمان الراضي، فقد تولّاها ستّة وزراء ^۵ وكان فيهم ابن مقلة الكاتب الشهير الذي قطع الراضي يده، ثمّ بعد أيّام قطع لسانه! ^۶ .