السنّة بين الكليني والزُّهري - صفحه 129

اختلاف أغراض القابضين على زمام الحكم ، وهذا كلامٌ أعرف أنه مُجمَل ؛ لأنّ غاية البحث لا تتعلّق به كلّه ، وقد فصّلنا الكلام عليه تفصيلاً في كتابنا المذكور .
هذه الإشكاليات والاختلالات لم يُعان منها الحديث المرويّ عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فابتداءً من خامس الأئمّة الإمام الباقر عليه السلام كانت مجالس السماع ونشر العلم مفتوحة للجميع دون قيود .
وقاد الأئمّة عليهم السلام على التوالي عملاً منهجيّا واسعا مقصودا ومُخطّطا له ، جذب آلاف الراغبين ، من أبرز وأهمّ صفاته أنّه لم يكن مذهبيّا ، فنحن نجد بين الآلاف الذين أخذوا عن الإمام الصادق عليه السلام من هم من غير شيعته ، ولكنّهم جميعا يُسلّمون بإمامته ، إن لم يكن إمامة نصّ فإمامة صفاتٍ على الأقلّ . وهذا حاله عند جميع المسلمين دون استثناء .
ما علينا التشديد عليه هنا ، أنّ العمل في هذا النطاق كان علنيّا ومعلومَ المرامي عند الجميع ، ومن هنا فإنّ ما يرويه محدّثٌ كان ينتشر ، وأحيانا يدوّن بحيث لا يعود من السهل تحريفه . وهناك عشرات الرجال الذين يروون عن إمام زمانهم ، ولكنّهم أيضا يروون عن أحد أصحاب الإمام السابق الذي لم يدركوه ، أو لم يسمعوا منه حديثا بعينه ، هو ذا ما شكّل الفارق الأساسي .
فالحديث النبوي لم يُدوّن ، تدوينا واسعا نشهد أثره ، إلّا بعدما يقلّ قليلاً عن القرن من صدوره المفترض ، ممّا ترك الباب واسعا أمام توظيف اسمه وهيبته لأغراض سلطويّةٍ أو غيرها . أمّا الحديث الصادر عن الأئمّة عليهم السلام ، فقد كان بالإضافة إلى علنيّته أُسلوبا وغاية ، يُدوّن فورا ، بل إنّ هناك شهاداتٌ مؤكّدة على أنّ تبويبه في قُمّ الأشعريّة قد بدأ أيضا في تاريخ مُبكّر .
أظنّ أنّني بما قدّمتُ به حتّى الآن ـ على إيجازه الذي أرجو أن لا يكون مُخلّاً ـ قد سلكتُ نصف الطريق على الأقلّ نحو غرض البحث . الخطوة التالية منهجيّا هي أن نُطبّق هذه الملامح العامّة على الكليني والزُّهري ، بوصفهما أنموذجين للخطّين اللذين

صفحه از 134