السنّة بين الكليني والزُّهري - صفحه 130

سلكهما الحديث عند فريقي المسلمين ، وهو يتحرّك في الزمان .
لكن بما أنّ هذه الندوة مُخصّصة للكليني ، فإنّني اتّكالاً على ما يُلقى فيها من أبحاثٍ ، عليه سأكتفي بالحديث بما يخصّ الزُّهري في منهجه وأدائه ، تاركا الطرف الآخر من المُقارنة لهمّة الزملاء الكرام .
من الثابت والمعلوم أنّ الزُّهري هو أغزرُ المُحدّثين مادّةً وأكثرهم حضورا على الإطلاق في صحيحي البخاري ومسلم ، ولكنّه دخل التاريخ من غير هذا الباب ، بل من بابين آخرين هما : إنّه أوّل من أسند الحديث ، وأوّل من دوّنه ، وهما نسبتان صحيحتان مبدئيّا ، مع إبداء التحفّظ التالي على كلٍّ منهما .
من المؤكّد أنّه أوّل من نشر وفرض ثقافة إسناد الحديث ، ولكن في الشام حصرا ، حيث غدا المُحدّث الرسمي للدولة ، والمُشرف والموجّه لنشاط جيش المُحدّثين التابع لها ، الذي كان بالإضافة إلى القُصّاص ، أداة التوجيه العامّ للناس ، وإلّا فإنّ من الثابت أنّ أوّل اهتمام بالأسناد قد حصل في «المدينة» قبل الزُّهري ، على أثر الثورة على عثمان ، والفرز السياسي الذي نتج عنها ، ليس ابتغاء ضبط الحديث ، بل لغرضٍ سياسيّ هو عزلُ الحديث والمُحدّثين الذين لا يُمالئون السلطة ۱ .
وهو إجراءٌ لم يكن ضروريّا في الشام ، حيث يبسط الحكم سُلطانا مُطلقا على قطاع الحديث والمُحدّثين ، فلمّا تبدّلت الأحوال ـ ممّا سنبسط القول فيه بعد قليل ـ صدر الأمر من الخليفة عبد الملك إلى الزُّهري بفرض الأسناد ، وهكذا كان .
أمّا التدوين ، فإنّ له قصّةٌ مختلفةٌ ، بطلها هذه المرّة الخليفة هشام بن عبد الملك ، الذي أكره الزُّهري عليه ، حسب قوله ۲ . و عيّن له أحد موظفي ديوانه ليتولّى التدوين تحت إشرافه شخصيا ۳ .

1.اُنظر : صحيح مسلم : ج ۱ ص ۱۵ ، حلية الأولياء : ج ۲ ص ۲۷۸ ، لسان الميزان : ج ۱ ص ۷ ، سير أعلام النبلاء : ج ۴ ص ۶۱۳ .

2.اُنظر : سير أعلام النبلاء : ج ۵ ص ۳۳۴ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۵۵ ص ۳۳۳ .

3.تهذيب الكمال : ج ۱۲ ص ۵۱۶ ، تذكرة الحفّاظ : ج ۱ ص ۲۲۱ .

صفحه از 134