وكلّه تحت عنوانٍ آسرٍ مُهيب هو «الحديث» .
هذا التحليل يطرح سؤالاً كبيرا هو : إنّ مشروعا كهذا يرمي إلى إعادة تشكيل ضمير ووجدان أُمّة بهذه الوسيلة ، يقتضي مادّةً حديثيّةً كبيرة ، فمن أين وكيف يتأتّى لأصحابه أن يحصلوا عليها؟ هذا مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنّه في ذلك الأوان كان الحديث النبويّ قد أصبح معروفا محفوظا في أفئدة مئات المُحدّثين المُنتشرين في الأقطار ، بحيث يستحيل أن يُضاف إليه إضافة كبيرة دون انكشافها .
هذه المشكلة وجدت حلّاً سحريّا في غاية السهولة ، هو تأسيس حُجّية قول وعمل الصحابي بذاته ، سواءٌ وُجد في الكتاب والسُنّة أم لم يوجد . وبذلك بات من الممكن إسناد الحديث إلى واحد من آلاف الناس ، الذين صادف أنّ أحدهم لقي النبيّ مُؤمنا به ومات على الإسلام ، وذلك أمرٌ يخالف كلّ سيرة الأوائل في هذا الباب ، لم يجرؤ عليه أحدٌ من قبل ، حتّى معاوية ، وهو ذو السيرة المعروفة في وضع الحديث لدعم توجّهاته السياسيّة .
من الثابت والمؤكّد أنّ الزُّهري هو صاحب ومُبتدع هذه الفكرة ، وأوّل من عمل عليها ۱ ، ومن بعده أصبحت من المُسلّمات ، بل وأُضيف عليها حُجّية قول التابعي أيضا ۲ .
هكذا جرى الاستغناء عن الحديث النبويّ ، وانفتح البابُ واسعا أمام صناعة الحديث ، لتُلبّي شهوة رجال الحكم إلى المزيد والمزيد من أسهل وأرخص أدوات الحكم ، وهذا يُفسّر لنا الغزارة الهائلة في حديث الزُّهري ، بحيث بات الحاضر الأوّل في البخاري ومسلم .
هو ذا الزُّهري في أبرز أعماله ، أُنموذجٌ ساطعٌ للمُثقّف السُلطوي ، مُجرّد مُحدّث
1.تهذيب الكمال : ج ۳ ص ۸۲ و ج ۲۶ ص ۴۳۴ ، الطبقات الكبرى : ج ۲ ص ۳۸۸ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ص ۲۳۹ حوادث سنة ۱۲۱ ـ ۱۴۰ .
2.اختصار علوم الحديث : ص ۹۸ .