السنّة بين الكليني والزُّهري - صفحه 133

عادي صنعت منه سُلطة ظالمة إماما ، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا . وهو من جانبه لم يُقصّر في خدمتها بكلّ وسيلة ، ويقتضينا الإنصاف أن نقول بهذه المناسبة : إنّه من بين خلفاء بني مروان الستّة الذين عاصرهم و عمل الزُّهري في ظلّ حكمهم ، فإنّ أقربهم إلى الصلاح ، أعني عُمر بن عبدالعزيز ، قد تجاهله تماما ، بحيث إنّه عندما رأى ضرورة تصحيح الخطأ التاريخي بعدم تدوين الحديث ، كتب إلى عامله في المدينة يقول :
انظر ما كان من حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو سُنّة ماضية ، أو حديث عَمْرة فاكتبه . ۱
مع أنّ الزُّهري كان إلى جنبه ، وهذا منه موقف غنيّ عن البيان .
ولنلاحظ هنا أيضا أنّ ابن عبدالعزيز قد استعمل كلمتي «السُنّة» و «الحديث» بمعناهما الاصطلاحي التاريخي الدقيق ، الذي كان قد غدا مهجورا في زمانه ، ممّا يدلّ على سلامة تفكيره ونُبل قصده .
لكن هذا الخليفة الأُنموذج الفريد بين خلفاء بني أُميّة لم يَرنتيجة عمله ؛ لأنّه توفّي فجأةً غيلةً بالسُمّ على يد بني بيته . هنا ينقدحُ في الذهن سؤال : هل من علاقةٍ سببيّة بين هذه الرسالة وبين واقعة الاغتيال؟
الجواب القاطع المُستند إلى نصٍّ مُباشر : مُستحيل ؛ لأنّ الاغتيالات السياسيّة تُدبّر سرّا بين مجموعةٍ محصورة ، ولا يندّ عنها للمؤرّخ إلّا القليل من بعض المُلابسات . ولكن فلنتدبّر ما يلي :
أوّلاً : إنّه ـ ابن عبدالعزيز ـ منع سبّ الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام على المنابر ، وهذه إدانةٌ ضمنيّة لسياسة كلّ خلفاء بيته .
ثانيا : إنّه ردّ فدك إلى من رأى فيهم أنّهم ورثة أصحابها الشرعيين من آل أهل البيت عليهم السلام ، وهذا ليس إجراءً بسيطا ، من حيث إنّه يضرب سياسة كلّ من سبقه في هذا الشأن ، ويُكذّب من وما استندوا إليه في حجبها عن ابنته عليهاالسلام ، وعلى رأسهم طبعا

1.تقييد العلم : ص ۱۰۵ .

صفحه از 134