الخليفة الأوّل .
وغنيّ عن البيان أنّ جماع هذين الإجراءين يُنبّئ عن أنّ صاحبهما يكنّ تفكيرا انقلابيّا جذريّا على سياسة أسلافه في منصب الخلافة .
والآن هوذا يكتب إلى عامله في المدينة رسالته التي أثبتنا نصّها أعلاه ، وهذا ينطوي أيضا على معنيين خطيرين :
الأوّل : إنّه يتجاهل ويُهمل المُحدّث الرسمي للدولة ، الذي صنعته ونصّبته مصدرا وحيدا للحديث ، وأوكلت إليه تكييف عقل الأُمّة بما يتناسب مع مقاصد أهل الحكم فيها ، وهذا موقف انقلابي .
الثاني : إنّه يُصوّب إلى قلب مفهوم الشرعيّة للدولة كما أسّسه معاوية ، استنادا إلى صناعة الحديث ، وعليه بنى رموزها المؤسّسة : صحابة ، سُنّة ، أهل سُنّة ، أهل بدعة ، رافضة ... إلخ . وذلك حيث أمر واليه بأن يكتب له «ما كان من حديث رسول اللّه » خاصّة ، دون ما كان من حديث الصحابة الذي جعله الزُّهري حُجّةً كما عرفنا . وأيضا ما كان من «سنّةٍ ماضية» ، يعني ما عمل به على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما أعلنه إعلانا عامّا مقصودا .
ولنتأمّل هنا في كلمة «ماضية» ، من حيث إنّها تُقيّد وتُخصّص كلمة «سُنّة» فيما هو ماضٍ فقط ، وكأنه يُريد أن ينفي أصالة أيّ سُنّةٍ حادثة ، وهذا موقفٌ انقلابي آخر . لكنّ اغتيال الخليفة أوقف كلّ ذلك ، وانتصر نهجُ الزُّهري وساد وما يزال .