مسند نساء الشيعة - صفحه 109

بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ رَجَعَ يَاسِرٌ فَقَالَ: الْبُشْرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ: لَكَ الْبُشْرَى ! فَمَا عِنْدَكَ؟ قَالَ يَاسِرٌ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَ دُوَّاجٌ وَ هُوَ يَسْتَاكُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، أُحِبُّ أَنْ تَهَبَ لِي قَمِيصَكَ هَذَا أُصَلِّي فِيهِ وَ أَتَبَرَّكُ بِهِ، وَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ إِلَى جَسَدِهِ هَلْ بِهِ أَثَرُ السَّيْفِ؟ فَوَ اللَّهِ كَأَنَّهُ الْعَاجُ الَّذِي مَسَّهُ صُفْرَةٌ، مَا بِهِ أَثَرٌ .
فَبَكَى الْمَأْمُونُ طَوِيلاً وَ قَالَ: مَا بَقِيَ مَعَ هَذَا شَيْءٌ، إِنَّ هَذَا لَعِبْرَةٌ لِلأَْوَّلِينَ وَ الآْخِرِينَ. وَ قَالَ: يَا يَاسِرُ، أَمَّا رُكُوبِي إِلَيْهِ وَ أَخْذِيَ السَّيْفَ وَ دُخُولِي عَلَيْهِ فَإِنِّي ذَاكِرٌ لَهُ، وَ خُرُوجِي عَنْهُ فَلَا أَذْكُرُ شَيْئا غَيْرَهُ، وَ لَا أَذْكُرُ أَيْضا انْصِرَافِي إِلَى مَجْلِسِي، فَكَيْفَ كَانَ أَمْرِي وَ ذَهَابِي إِلَيْهِ؟ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الِابْنَةِ لَعْنا وَبِيلاً، تَقَدَّمْ إِلَيْهَا وَ قُلْ لَهَا: يَقُولُ لَكِ أَبُوكِ: وَ اللَّهِ لَئِنْ جِئْتِنِي بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ وَ شَكَوْتِ مِنْهُ أَوْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لأََنْتَقِمَنَّ لَهُ مِنْكِ . ثُمَّ سِرْ إِلَى ابْنِ الرِّضَا، وَ أَبْلِغْهُ عَنِّي السَّلَامَ، وَ احْمِلْ إِلَيْهِ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَ قَدِّمْ إِلَيْهِ الشَّهْرِيَّ الَّذِي رَكِبْتُهُ الْبَارِحَةَ، ثُمَّ أْمُرْ بَعْدَ ذَلِكَ الْهَاشِمِيِّينَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ بِالسَّلَامِ وَ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ.
قَالَ يَاسِرٌ: فَأَمَرْتُ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَ دَخَلْتُ أَنَا أَيْضا مَعَهُمْ، وَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ أَبْلَغْتُ التَّسْلِيمَ، وَ وَضَعْتُ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ عَرَضْتُ الشَّهْرِيَّ عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ تَبَسَّمَ فَقَالَ: يَا يَاسِرُ، هَكَذَا كَانَ الْعَهْدُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَبِي وَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ حَتَّى يَهْجُمَ عَلَيَّ بِالسَّيْفِ. أَ مَا عَلِمَ أَنَّ لِي نَاصِرا وَ حَاجِزا يَحْجُزُ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ؟! فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، دَعْ عَنْكَ هَذَا الْعِتَابَ؛ فَوَ اللَّهِ وَ حَقِّ جَدِّكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَا كَانَ يَعْقِلُ شَيْئا مِنْ أَمْرِهِ ، وَ مَا عَلِمَ أَيْنَ هُوَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ؟ وَ قَدْ نَذَرَ لِلَّهِ نَذْرا صَادِقا، وَ حَلَفَ أَنْ لَا يُسْكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا أَنْتَ ـ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ـ أَتَيْتَهُ فَلَا تَذْكُرْ لَهُ شَيْئا، وَ لَا تُعَاتِبْهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ . فَقَالَ عليه السلام : هَكَذَا كَانَ عَزْمِي وَ رَأْيِي وَ اللَّهِ، ثُمَّ دَعَا بِثِيَابِهِ وَ لَبِسَ وَ نَهَضَ وَ قَامَ مَعَهُ النَّاسُ أَجْمَعُونَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ وَ ضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَ رَحَّبَ بِهِ، وَ لَمْ يَأْذَنْ لأَِحَدٍ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَ لَمْ يَزَلْ يُحَدِّثُهُ وَ يُسَامِرُهُ .

صفحه از 197