مسند نساء الشيعة - صفحه 117

قُلْتُ: وَيْحَكَ! أَ لَا تَرَى إِلَى هَذَا الْمَوْلُودِ؟ قَالَتْ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ لِي: يَا حَلِيمَةُ، اكْتُمِي شَأْنَهُ؛ فَقَدْ أَخَذْتِ شَجَرَةً كَرِيمَةً لَا يَذْهَبُ رَسْمُهَا أَبَدا. قَالَتْ: فَأَقَمْنَا بِمَكَّةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ، مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَا وَ أَنَا أَدْخُلُ عَلَى آمِنَةَ، فَلَمَّا عَزَمْنَا عَلَى الْخُرُوجِ دَعَتْنِي آمِنَةُ فَقَالَتْ: لَا تَخْرُجِي مِنْ بَطْحَاءِ مَكَّةَ حَتَّى تُعْلِمِينِي؛ فَإِنَّ لِي فِيكِ وَصَايَا أُوصِيكِ بِهَا. قَالَتْ: فَبِتْنَا، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ انْتَبَهْتُ لأَِقْضِيَ حَاجَةً، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأْسِهِ يُقَبِّلُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأَنْبَهْتُ صَاحِبِي رُوَيْدا فَقُلْتُ: انْظُرْ إِلَى الْعَجَبِ الْعَجِيبِ. قَالَ: اسْكُتِي وَ اكْتُمِي شَأْنَكِ؛ فَمُنْذُ وُلِدَ هَذَا الْغُلَامُ قَدْ أَصْبَحَتْ أَحْبَارُ الدُّنْيَا عَلَى أَقْدَامِهَا قِيَاما لَا يَهْنَؤُهَا عَيْشُ النَّهَارِ وَ لَا نَوْمُ اللَّيْلِ، وَ مَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنَ الْبِلَادِ أَغْنَى مِنَّا .
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا مِنَ الْغَدِ وَ عَزَمْنَا عَلَى الْخُرُوجِ رَكِبْتُ أَتَانِي، وَ حَمَلْتُ بَيْنَ يَدَيَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وَ خَرَجَتْ مَعِي آمِنَةُ تُشَيِّعُنِي، فَجَعَلَتِ الأَْتَانُ تَضْرِبُ بِيَدِهَا وَ رِجْلِهَا الأَْرْضَ، وَ تَرْفَعُ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ فَرِحَةً مُسْتَبْشِرَةً، ثُمَّ تَحَوَّلَتْ بِي نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَسَجَدْتُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ حَتَّى اسْتَوَيْنَا مَعَ الرَّكْبِ سَبَقَتِ الأَْتَانُ كُلَّ دَوَابِّهِمْ، فَقَالَتْ نِسَاءُ بَنِي سَعْدٍ: يَا بِنْتَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، أَ لَيْسَ هَذَا أَتَانَكِ الَّتِي كَانَتْ تَخْفِضُكِ طَوْرا وَ تَرْفَعُكِ آخَرَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقُلْنَ: بِاللَّهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنا عَظِيما ! فَكُنْتُ أَسْمَعُ الأَْتَانَ تَقُولُ: إِي وَ اللَّهِ، إِنَّ لِي لَشَأْنا ثُمَّ شَأْنا ، أَحْيَانِيَ اللّهُ عز و جل بَعْدَ مَوْتِي، وَ رَدَّ عَلَيَّ سِمَنِي بَعْدَ هُزَالِي، وَيْحَكُنَّ يَا نِسَاءَ بَنِي سَعْدٍ! إِنَّكُنَّ لَفِي غَفْلَةٍ، أَ تَدْرِينَ مَنْ حَمَلْتُ؟ حَمَلْتُ سَيِّدَ الْعَرَبِ مُحَمَّدا رَسُولَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هَذَا رَبِيعُ الدُّنْيَا وَ زَهْرَةُ الآْخِرَةِ، وَ أَنَا أُنَادَى مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: اسْتَغْنَيْتِ ـ يَا حَلِيمَةُ ـ آخِرَ دَهْرِكِ، فَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ بَنِي سَعْدٍ .
قَالَتْ: فَمَرَرْتُ بِرَاعٍ يَرْعَى غَنَما لَهُ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْغَنَمُ إِلَيَّ جَعَلْنَ يَسْتَقْبِلْنَ وَ تَعْدُو إِلَيَّ كَمَا تَعْدُو سِخَالُهَا، فَسَمِعْتُ مِنْ بَيْنِهَا قَائِلاً يَقُولُ: أَقَرَّ اللّهُ عَيْنَكِ يَا حَلِيمَةُ، أَ تَدْرِينَ مَا حَمَلْتِ؟ هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى كُلِّ وُلْدِ آدَمَ مِنَ الأَْوَّلِينَ وَ الآْخِرِينَ. قَالَتْ:

صفحه از 197