مسند نساء الشيعة - صفحه 121

وَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَكِ مُحَمَّدٌ؟ لَعَلَّكِ تَحْلُمِينَ أَوْ مِنْكِ هَذَيَانٌ! قُلْتُ: لَا وَ اللَّهِ مَا حَلَمْتُ، وَ إِنِّي لَفِي يَقِينٍ مِنْ أَمْرِي. فَجَعَلْتُ أَبْكِي وَ أُنَادِي: وَا مُحَمَّدَاهْ! فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَبِيرٍ فَقَالَ لِي: أَيَّتُهَا السَّعْدِيَّةُ، إِنَّ لَكِ لَقِصَّةً عَجِيبَةً. قَالَتْ: قُلْتُ: إِي وَ اللَّهِ، لَقِصَّتِي عَجِيبَةٌ! مُحَمَّدُ بْنُ آمِنَةَ أَرْضَعْتُهُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ لَا أُفَارِقُهُ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ فَنَعَشَنِيَ اللّهُ بِهِ، وَ أَنْضَرَ وَجْهِي، وَ مَنَّ عَلَيَّ، وَ أَفْضَلَ بِبَرَكَتِهِ، حَتَّى إِذَا ظَنَنْتُ أَنِّي قَدْ بَلَغْتُ بِهِ الْغَايَةَ أَدَّيْتُ إِلَى أُمِّهِ الأَْمَانَةَ، لأَِخْرُجَ مِنْ عَهْدِي وَ أَمَانَتِي، فَاخْتُلِسَ مِنِّي اخْتِلَاسا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ قَدَمُهُ الأَْرْضَ، وَ إِنِّي أَحْلِفُ بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ لَئِنْ لَمْ أَجِدْهُ لأََرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ حَالِقِ الْجَبَلِ!
قَالَتْ: وَ قَالَ لِيَ الشَّيْخُ: لَا تَبْكِي أَيَّتُهَا السَّعْدِيَّةُ، ادْخُلِي عَلَى هُبَلَ فَتَضَرَّعِي إِلَيْهِ فَلَعَلَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْكِ؛ فَإِنَّهُ الْقَوِيُّ عَلَى ذَلِكِ الْعَالِمُ بِأَمْرِهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، كَأَنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ وِلَادَةَ مُحَمَّدٍ لَيْلَةَ وُلِدَ مَا نَزَلَ بِاللَاتِ وَ الْعُزَّى؟! فَقَالَ لِي: أَيَّتُهَا السَّعْدِيَّةُ، إِنِّي أَرَاكِ جَزِعَةً، فَأَنَا أَدْخُلُ عَلَى هُبَلَ وَ أَذْكُرُ أَمْرَكِ لَهُ؛ فَقَدْ قُطِعَتْ أَكْبَادُنَا بِبُكَائِكِ! مَا لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى هَذَا صَبْرٌ. قَالَتْ: فَقَعَدْتُ مَكَانِي مُتَحَيِّرَةً، وَ دَخَلَ الشَّيْخُ عَلَى هُبَلَ وَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ بِالدُّمُوعِ، فَسَجَدَ لَهُ طَوِيلاً وَ طَافَ بِهِ أُسْبُوعا، ثُمَّ نَادَى: يَا عَظِيمَ الْمَنِّ، يَا قَوِيّا فِي الأُْمُورِ، إِنَّ مِنَّتَكَ عَلَى قُرَيْشٍ لَكَثِيرَةٌ، وَ هَذِهِ السَّعْدِيَّةُ رَضِيعَةُ مُحَمَّدٍ تَبْكِي، قَدْ قَطَعَ بُكَاؤُهَا الأَْنْيَاطَ وَ أَبْرَزَ الْعَذَارَى، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهَا إِنْ شِئْتَ. قَالَتْ: فَارْتَجَّ وَ اللَّهِ الصَّنَمُ ، وَ تَنَكَّسَ وَ مَشَى عَلَى رَأْسِهِ ، وَ سَمِعْتُ مِنْهُ صَوْتا يَقُولُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ أَنْتَ فِي غُرُورٍ، مَا لِي وَ لِمُحَمَّدٍ! وَ إِنَّمَا يَكُونُ هَلَاكُنَا عَلَى يَدَيْهِ، وَ إِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَهُ وَ يَحْفَظُهُ. أَبْلِغْ عَبْدَةَ الأَْوْثَانِ أَنَّ مَعَهُ الذَّبْحَ الأَْكْبَرَ إِلَا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ.
قَالَتْ: فَخَرَجَ الشَّيْخُ فَزِعا مَرْعُوبا نَسْمَعُ لِسِنِّهِ قَعْقَعَةً وَ لِرُكْبَتَيْهِ اصْطِكَاكا، يَقُولُ لِي: يَا حَلِيمَةُ، مَا رَأَيْتُ مِنْ هُبَلَ مِثْلَ هَذَا، فَاطْلُبِي ابْنَكِ؛ إِنِّي أَرَى لِهَذَا الْغُلَامِ شَأْنا عَظِيما. قَالَتْ: فَقُلْتُ لِنَفْسِي: كَمْ تَكْتُمُ مِنْ أَمْرِهِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟! أُبْلِغُهُ الْخَبَرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ لِي: يَا حَلِيمَةُ، مَا لِي أَرَاكِ جَزِعَةً

صفحه از 197