الروضات (شرح زيارت رجبيه) - صفحه 548

و «المنتجب» : من انتجبه ، أي اختاره و اصطفاه ، و إنّما اختاره من بين صفاته تعالى لأنّ الانتجاب ـ و هو الانتخاب ـ أخصّ من الارتضاء ، و لذا يوصف بالأوّل العبوديّة ، كما يوصف بالثاني الرسالة ، و العبوديّة فوق الرسالة ؛ لأنّها جوهرة كنهها الربوبيّة ، و لأنّ العبد لا يملك شيئا من ذاته و صفاته و أفعاله ، بل العبد و ما يملكه للمولى ؛ فالعبوديّة مساوقة للفقر ، و الفقر إذا تمّ فهو اللّه ؛ إذ الفقر السازج البسيط ، لا يكافئونه في عالم التضاؤف المستتبع لتكافؤ المتضائفين تصوّرا و تحقّقا ، إلاّ الغنى الصرف السازج البَحت ۱ البسيط ، ومن هذا شأنه وجب أن يكون مظهر ذاته تعالى و صفاته و أفعاله و آثاره ، فهو الرحمة التي وسعت كلّ شيء ، و الرحمة من صفات نبيّنا الخاتم صلى الله عليه و آله على ما نطق به الكتاب العزيز ، الذي «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ» ، ۲ و كونه إيّاها موجب انتجابه و اختياره .
و على هذا يرد إشكال ، و هو أنّ طلب الرحمة من اللّه تعالى عليه صلى الله عليه و آله «و على أوصيائه الحُجُب ؛ لأنّ الفقرة إخبار في معنى الإنشاء من باب طلب الرحمة على الرحمة ، و هو كما ترى؟!
و جوابه : أنّ الحقيقة المحمّديّة لها مراتب أربعة ؛ ثنتان منها في دار التكليف ، و لازم التكليف و الحركات المادّيّة أن يحتاجوا إلى الرحمة من اللّه تعالى ببلوغهم إلى غاية حركتهم ، و هي مقام أصلهم المحيط بكلّ شيء . فحقيقة الصلاة عليهم ليست إلاّ الإشارة إلى هذا المقام ، غاية المرام أن يحتاج بعض مراتبهم النازلة إلى بعض مراتبهم العالية في التكوين ، و أن يجب علينا الصلاة عليهم ۳ في تشهّد الصلوات الخمس و غيرها و الإيمان بتلك الحالة و الإذعان بتلك الكيفيّة . و مثل هذا ليس من تحصيل الحاصل ، أو احتياج الشيء إلى نفسه ، أو نحو ذلك من الإشكالات المتطرّقة على الصلوات .
و يمكن اعتبار جميع معاني الصلاة هنا ؛ أمّا الرحمة فقد أشرت إلى اعتبارها بما

1.البحت : الخالص من كلّ شيء ، و هو الصرف المحض. لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۹ (بحت).

2.سورة فصّلت ، الآية ۴۲.

3.الأصل : - عليهم.

صفحه از 580