الروضات (شرح زيارت رجبيه) - صفحه 564

بالذات ، و الكثرة إنّما بدت في العرض في عالم الاعتبار النفس الأمري بخلاف الاُصول ؛ إذ بعد الإمضاء كانت الخمسة الأوّل غيوبا ، و هو تعالى كان غيب الغيوب ، و شدّة ظهوره و غلبة نوره و قهر وجوده الصرف صار منشأ خفائه ، نظير قهر نور الشمس و ضيائها لأعين الخفافيش ، و معيار الفرق و ملاك الانتظام على البينونة بالصفة لا بالعزلة .
و الموجودات في الصعود على عكس النزول ، كمراتب نفس الإنسان ۱ من الفؤاد إلى الحسّ الظاهر و الطبيعة ، و الانتقال في الإنّ بظهور القضاء بعد بطلان الإمضاء و خفائه ، و ظهور التقدير بعد التعدّي من القضاء ، و ظهور الإرادة بعد التخطّي من التقدير ، و ظهور المشيّة بعد التجاوز من الإرادة إلى مقام نحن فيها هو و هو فيها نحن ، و الانتقال في اللمّ و النزول ما عرفت من خفاء العلم بظهور المشيّة و خفائها بظهور الإرادة .
و هكذا إلى الإمضاء التي هو الجزء الأخير من تماميّة السبب في عالم الخلق ، و أمّا عالم الأمر فالجزء الأخير هو الإرادة ؛ لإبداعيّة ما في عالم الجبروت ، و بناء السلوك و الديانات و التقرّبيّات و ملاك أمر اختلاف الوجودات بالشدّة والضعف و الكمال و النقص إنّما يكون على القاعدة المذكورة العرشيّة الجامعة للأضداد و النقيضين بجهة واحدة ؛ إذ ما كان غيب الغيوب نزولاً و تدرّجا من الأعلى إلى الأدنى صار أظهر الظهورات صعودا و ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى ، فصحّ بهذا اللحاظ جعل نقيض الشيء علّة له ؛ «يا من خفي لفرط ظهوره ، و ظهر لفرط خفائه ، و يا من دنى فبعد ، و على فقرب ، احكم في البين بالحقّ» .
فإذن يحكم البرهان و الكشف على أنّ الفقر و الغنى و الإمكان و الوجوب متضائفان ، و أنّ المتضائفين متكافئان تصوّرا و تحقّقا ، و الفقر واقع حسّا و عيانا ، فلابدّ من الغنى ، و صرف الغنى ليس إلّا الذات الواجبيّة ، فلابدّ له من صرف الفقر و هو أوّل ما صدر منه ، أو مطلقا ، حيث إنّ الممكن مهيّةً أو وجودا قوام ذاته و حدّ تامّه هو

1.ألف : الإنساني.

صفحه از 580