الروضات (شرح زيارت رجبيه) - صفحه 567

استضاءته ممّا يليه ، و استضاءة ما يليه عمّا يليه إلى مسبّب الأسباب من غير سبب غير علمه الكمالي ، و مثل هذا ليس جبرا و اضطرارا ؛ لأنّ العلم أصل الجميع و أوّله ، و العلم فوق الشعور و الاختيار و الجبر و الإيجاب في الاُمور الخالية عن العلم ، بل هو من قبيل ترتّب العلم بالنتيجة على العلم بالمقدّمتين قهرا .
لا يقال : إنّه يستلزم قِدم العالم ، و هو باطل عقلاً ونقلاً!
لأنّا نقول : إنّ الممتنع من تعدّد القدماء ما كان قديما بالذات كتعدّد الواجبين ، و المشيّة حادثة بالذات ؛ لأنّها فعل ، و الفعل بلا فاعل محال الوجود ، و قد أوضحنا أمره في مثال النقطة التي هي أصل الألف و محتجبة بظهورها ، و لا تظنّ أنّ الذات الواجبيّة بمنزلة النقطة ، فإذا تحرّكَت النقطة و صارت ألفا تحرّكت ، فكذا الواجب إذا صار مشيّة ، بل المقصود أنّ الألف بما هي ألف ليست إلّا ألفا لا نقطة فيها يزائلها ، و لا نقطة فيها يمازجها ، و ليست الألف أيضا أصلاً لا يحتاج إلى أصل ، فإن صعدت فالألف أو المشيّة غيب لا خبر عنها و بها ، و إن نزلت فالنقطة و الذات الواجبيّة غيب كذلك .
و على أيّ حال فالمتحقّق في جميع تلك المراتب الستّة الطوليّة شيء واحد لا شيئان ، و إنّما العقل مطابقا للنقل و الكشف الصحيح دلّ على نفي البينونة بينهما بالعزلة ، و على إثباتها ـ على ما أوضحناه ـ فما هو الموجود في عالم التقدير و الخلق بسبب الثلاثة الأخيرة على ترتّب هذه الأسباب الثلاثة مخلوقة لعالم الأمر المنتهي إلى «كُن» و هي المشيّة ، و لا ضير فيه ، بل بحسب المصيّر إليه ؛ لأنّه ليس إلّا مسبّبة الممكن عن الممكن المسبّب عن مثله ، و هكذا إلى شيء هو صرف لا مسبَّب ، و إلّا فيدور أو يتسلسل ، فالأشياء على ترتّبها مخلوقة بالمشيّة ، و المشيّة مخلوقة بالخلق بالمعنى الأعمّ من الأمر بنفسها ، فبطل التفويض عزلة ، و ثبت وحده ، غاية الأمر لزوم جمع النقيضين بجهة واحدة ، و لا عيب فيه كما قال تعالى : «وَ مَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ» ، ۱ و «وَ مَا تَشَآءُونَ إِلَا أَن يَشَآءَ اللَّهُ» ؛ ۲ و هو الأوّل و هو الآخر ، و هو الظاهر و هو الباطن ، و داخل في الأشياء لا بالممازجة دخول كلّ من الخلّ و العسل من الآخر في الكنجبين ، و

1.سورة الأنفال ، الآية ۱۷.

2.سورة الإنسان ، الآية ۳۰ ؛ سورة التكوير ، الآية ۲۹.

صفحه از 580