و إمّا بواسطة الفعل الأوّل أو مطلقا ، فيرد عليه أنّ الواسطة غير معقولة ، و إلّا فهاتوا بها حتّى نتكلّم فيها ، و قد عرفت حاله مع أنّه ليس إلّا القول بالجبر و إن لا يشعر به الأشعري .
و إمّا أنّ الفعل الأوّل فاعل له ، لا باللّه تعالى ، فهو تفويض باطل و قول بلا تصوّر فضلاً عن التصديق ؛ لأنّه تعالى يطلب لكلّ مكان و إمكان لم يخل عنه مكان ، فكيف يتصوّر الاستقلال؟!
و إمّا أنّ الفعل الأوّل فاعل له باللّه تعالى ، ولكن على طريق الوحدة الحقّة المتقدّمة المحكمة بنيانها ، فذاك حقّ لا يعتبر به شكّ ؛ إذ بهذا الأصل ـ الأصل العرفاني - يصحّ استناد كلّ شيء إليه تعالى ، كما أسنده اللّه تعالى في كتابه العزيز في غير موضع ، و في السنّة فوق حدّ الإحصاء .
و كذا يصحّ استناده إلى نفس الأشياء ، كما استند إليها فيها كذلك و إليها معا بنحو : «مَا تَشَاؤُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ» ، ۱ و «وَ مَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ» ، ۲ و لذا وردت الأدلّة النقليّة في باب التفويض على نحو الاختلاف كالأدلّة العقليّة ، سواء كان التفويض في الخلق و الرزق و الأمانة و الإحياء و الإعادة و نحو ذلك ، أو كان في أمر الدين من تحليل «ما شاء إذا شاؤوا» أو تحريمه ، و في الأوامر و النواهي ؛ لأنّه «مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ وَحْيٌ إِلَا يُوحى» ، ۳ بل مقامه صلى الله عليه و آله فوق مقام الوحي و الإيحاء و فوق مقام «قَابَ قَوْسَيْنِ»۴ أعني مرتبة الولاية الكلّيّة و المشيّة الإطلاقيّة الإشراقيّة ، أو في اُمور الخلق و سياساتهم في تكميلاتهم كما في «وَ مَا آتيكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» ، ۵ أو في العلوم و النواميس الإلهيّة و الحكم بين الناس بما أراه اللّه ، أو غير ذلك .
و لعلّ في هذا القدر كفاية لمن كان به دراية .
و أمّا التفويض في الفقرة فقد أشرت إلى بعض طرقه و محامله ، و يمكن أن يكون
1.سورة الحشر ، الآية ۷.
2.سورة الأنفال ، الآية ۱۷.
3.سورة الإنسان ، الآية ۳۰ ؛ سورة التكوير ، الآية ۲۹.
4.سورة النجم ، الآيتان ۳ و ۴.
5.سورة النجم ، الآية ۹.