فإنّي أعتقد أنّ جميع أعداء هؤلاء الغُرر الَّذين هم قواعد الإسلام ومصابيح الظلام والَّذين خفّض اللّه الخلق عن منازلهم وقصر الاَيدي والألسن عن تناولهم وميّز بين العالمين وبينهم وأماطَ العيب والعار عنهم، بين مغموس القلب في الجهالة ومطروف العين بالضّلالة لا يفيق من سكرة الهَوى فيتبيّن الطريقة المثلى، وبين عالم بفضلهم، خابر بطيب فرعهم وأصلهم، يكتم معرفته معاندةً ويغالِط نفسه مكايَدةً ترجيبا لغرسٍ قد غَرسَه وتوطيدا لبناءٍ قد أسّسه وتنفيقا لِسُوقٍ قد قامت له واستجرارا لجماعةٍ قد التفَّت عليه وكلُّ ذلك طلبا لحُطام هذه الدنيا الوَبيل مَرتَعُها، الممرّ مَشربُها، المُنَغَّص نعيمُها و سرورُها، المظلم ضياؤها ونورها، الصّائرة بأهلها إلى اَخشن المصارع بعد ألين المضاجِع والناقلة لهم إلى أفزع المنازل بعد آمَن المعاقل، على قربٍ من المعاد وعدمٍ من الزاد، ثمَّ تتقلَّب بهم إلى حيث «تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا» ۱.
تامَّل أيَّدك اللّه هذا الكلام ما أحسنه وألطَف معانيه وأعقله بالقلب قبل ولوجه في السَّمع رضي اللّه عن قائله فقد شرح الحال.
أمّا بعد فقد سطرت لك ـ أمتعنى اللّه بك ـ من أقوالهم الموجزة، وألفاظهم المعجزة، وحكمهم الباهرة، ومواعظهم الزاهرة، لمعا تنزّه ناظرك فيها، وتنبّه خاطرك بها وحذفت الاسانيد حتّى لا يخرج الكتاب عن الغرض المقصود في الاختصار وقدّمت أمام كلامهم طرفا من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، لتستدلّ به، وتعلم أنّهم من بحره الزاخر يغترفون، ومن علمه الغامر يقتبسون وأنّه صلوات اللّه عليه الاصل المتبوع، وهم الاغصان والفروع وأنّه صلى الله عليه و آله مدينة العلم وهم أبوابها، وأنّه سماء الحكمة وهم أسبابها وأنّه معدن البلاغة وينبوعها، وهم زهرتها وربيعها صلوات اللّه عليهم ولو جمع ما رواه أهل العدل عنهم لما وسعته الطوامير، ولا حوته الاضابير لانّهم بالحكمة ينطقون، وبالموعظة يتفوّهون، ولكنّ اعتمدت قول أمير المؤمنين عليه السّلام إذ قال:
«خذوا من كلّ علم أرواحه، ودعوا ظروفه، فان العلم كثير والعمر قصير».
وقد وسمت كتابي هذا ب «نزهة الناظر وتنبيه الخاطر» وباللّه تعالى التوفيق وهو حسبى ونعم الوكيل.
مقدّمه مؤلّف
به نام خداوند بخشنده مهربان و با كمك از او
ستايش خداى جهانيان را، ستايشِ عارفان عالم، و درود خدا بر محمّد مصطفى و خاندان پاكش عليهم السلام، اما بعد، من بسيارى از معاصران مشرك و كافر را ديده و شاهد بوده ام ـ و پناه بر خداى سبحان كه از ميان