179
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 4

سبحانه محال أن يكون ممّا هو كُفر في شرعه، وأنّ السرّ الذي أظهرتم لكلّ قلندر وفَهِمَه كلُّ من سمع لا يكون هو سرّ اللَّه، وأنّ العارف بأسرار اللَّه لا يكون إلّا المعصومون المحصورون المعيّنون عدداً الممتازون حسباً ونسباً من لدن آدم إلى القائم عليهما السلام، وأنّ سلمان كان معه علمٌ من العلوم دون أبي ذرّ بذلك الشأن، كما للخضر عليه السلام دون موسى عليه السلام من اُولي العزم، أليس حقّاً حكْم موسى قبل المعرفة بوجهِ قتلِ الطفل بقتل قاتله؟ أليس عِلْم اللَّه لا نهاية له؟ أليس لما لا نهاية له لا نهاية لعجائباته؟ أليس لو اُعطي ممّا لا يتناهى كلّ ذرّة من ذرّات العالم ما لا يحصى كان الجميع مالك قطرة من البحر الذي لا ساحل له متحيّراً في عجائباته ومتولّهاً في غرائباته؟ أليس سرّكم ذائعاً شائعاً في الأسواق؟
سبحان اللَّه هل بقي سرٌّ أعظم من سرّكم المسموع المفهوم لكلّ أحد من الناس، فتدّعون أنّ عندنا سرّاً أو أسراراً، سبحان اللَّه هو اللَّه الذي لا إله إلّا هو، دَبَّرَ قبل تدبير الخواطر وأحكم، ومَكَرَ قبل مكر الماكرين وأبرم، وبمقتضى عظمته جلّت عظمته أخبر بتوسّط المعصوم، وهو الذي لا يشكّ في إخباره بضروريّات الدِّين بحيث يكون اعتقاد الجميع بها على السواء كالشمس بالنظر إلى جميع الأنظار.
سمعتم في سنّ الصبا من آبائكم ومعلّميكم أنّ جهنّم مثلاً وهدة وسيعة عظيمة مملوّة من نار كذا وحيّات كذا وعقارب كذا، فويلٌ للذي لم يعتقد في أراذل العمر كما تصوّره واعتقد به في سنّ الصبا أيّ من كان، وهكذا في جميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من المغيبات كنكير ومنكر وتسوية الأرض بالزلزلة للحشر والنشر الجسماني وانشقاق السماء وطيّها والميزان والصراط وتطائر الكتب وتجسيم الأعمال، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً، واللَّه العظيم لن يسمع في سلطان عظمته تَعالى إخبار عباده بضروريّات دينه إلّا هكذا.
فهل عرفت سرّ الاهتمام في القرآن بكون ذكر الإيمان باللَّه قريناً لذكر الإيمان باليوم الآخر على ما أخبر به المعصوم العاقل هو في البشر عن اللَّه تبارك وتعالى، فتعوّذ باللَّه من عدوّك المبين المخفي الطامع بقوّة وساوسه في الأنبياء عليهم السلام.


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 4
178

فلا يذهب عليك كما فهم الصوفيّ القدريّ من هذا الحديث وجعله أصلاً صريحاً في مذهبه أنّ ما في قلب سلمان أو أبي ذرّ إنّما هو الكفر الذي إذا نطق به أحد كالحلّاج وفرعون والبسطامي والرومي لوجب قتله شرعاً؛ لارتداده بحكم اللَّه سبحانه، هل ترى الحكيم العدل العظيم بذلك الحكمة والعدالة والعظمة تعالى شأنه أن يأمر رسوله بذلك الشأن والعظمة الظاهرة بتلك الآيات والمعجزات الباهرة بتكفير مثل الحلّاج وقتله، والحكم بأنّه نحس نجس مخلّد في النار وكان هو في السرّ وليّاً من أوليائه أو قطرة واصلة من بحره إلى بحره أو هو هو.
فهل ترى أسخف في الفرق الهالكة من طريقة الصوفيّة القدريّة، فلا تغترّ بمصائدهم ولا تنخدع بمكائدهم، فإنّها من تدقيقات صنايع إبليس في أواخر عمره كي يخدع الفرقة الناجية بباطلٍ محفوفٍ أوّلاً بالقرآن والحديث والأمثال والأشعار والصوم والصلاة والسهر والرياضة ومعظم مكارم الأخلاق، مع علمه بأنّهم لا يميلون بسعيه إلى مذهب من مذاهب البضع والسبعين، وأنّ من وراء ذنوبهم الشفاعات، فوضع التصوّف المنتهي طريقه إلى أفحش صنوف الكفر.
أيّها القدريّ، إنّما المنافق من أخفى الكفر وأظهر الإيمان، فما ظنّك بمثل سلمان وهو محدّث كالإمام وله خصوصيّة ممتازة بأهل البيت عليهم السلام، أظهرتم أنتم أسراركم من وحدة الوجود والموجود والتنزّلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود باصطلاحكم لكلّ خفّاف وعلّاف، فلِمَ لم يظهر سلمان سرّه لأخيه أبي ذرّ الذي تتذاكر الملائكة ما أملاه من الدعاء المشهور في السماء، هل خفّافكم أوسع حوصلة من أبي ذرّ، أو سلمان نافَقَ مع أخيه، أو هما - رضي اللَّه عنهما - من المنافقين بكتمان الكفر وإظهار الإيمان، أو عَلِمَ الإمام ما في قلب سلمان ممّا هو كفرٌ شرعاً لو نطق به، فلم يحكم بنفاقه، أو تقرّون بكفركم وكُفر من قال بمقالتكم.
فلِمَ غفلتم عن حكاية موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف مع أنّ موسى من اُولي العزم وعالم بما يحتاج إليه الناس غير محتاج فيه إلى مثل صاحبه، ولم تفهموا أنّ سرّ اللَّه

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 4
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
تعداد بازدید : 118513
صفحه از 612
پرینت  ارسال به