45
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 4

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِهذَا الْأَمْرِ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ ، وَ إِنِّي لَخَائِفٌ عَلَيْكَ أَنْ يَكْسِبَكَ شَرّاً».
فَجَرَى الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا حَتّى‏ أَفْضى‏ إِلى‏ مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ ، وَ كَانَ مِنْ قَوْلِهِ : بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ كَانَ الْحُسَيْنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْحَسَنِ ؟
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «رَحِمَ اللَّهُ الْحَسَنَ وَ رَحِمَ الْحُسَيْنَ ، وَ كَيْفَ ذَكَرْتَ هذَا ؟!» قَالَ : لِأَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ - إِذَا عَدَلَ - أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الْأَسَنِّ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ .
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى‏ - لَمَّا أَنْ أَوْحى‏ إِلى‏ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَوْحى‏ إِلَيْهِ بِمَا شَاءَ ، وَ لَمْ يُؤَامِرْ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَ أَمَرَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بِمَا شَاءَ ، فَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَ لَسْنَا نَقُولُ فِيهِ إِلَّا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ تَبْجِيلِهِ وَ تَصْدِيقِهِ ، فَلَوْ كَانَ أَمَرَ الْحُسَيْنَ عليه السلام أَنْ يُصَيِّرَهَا فِي الْسِّنِ‏۱ ، أَوْ يَنْقُلَهَا فِي وُلْدِهِمَا - يَعْنِي الْوَصِيَّةَ - لَفَعَلَ ذلِكَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَ مَا هُوَ بِالْمُتَّهَمِ عِنْدَنَا فِي الذَّخِيرَةِ لِنَفْسِهِ ، وَ لَقَدْ وَلّى‏ وَ تَرَكَ ذلِكَ ، وَ لكِنَّهُ مَضى‏ لِمَا أُمِرَ بِهِ ، وَ هُوَ جَدُّكَ وَ عَمُّكَ ؛ فَإِنْ قُلْتَ خَيْراً ، فَمَا أَوْلَاكَ بِهِ ، وَ إِنْ قُلْتَ هُجْراً ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَطِعْنِي يَا ابْنَ عَمِّ ، وَ اسْمَعْ كَلَامِي ، فَوَ اللَّهِ - الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - لَا آلُوكَ نُصْحاً وَ حِرْصاً ، فَكَيْفَ وَ لَا أَرَاكَ تَفْعَلُ ، وَ مَا لِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ مَرَدٍّ» .
فَسُرَّ أَبِي عِنْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «وَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْأَحْوَلُ الْأَكْشَفُ ، الْأَخْضَرُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا».
فَقَالَ أَبِي : لَيْسَ هُوَ ذَاكَ‏۲ ، وَ اللَّهِ ، لَيُحَارِبَنَّ بِالْيَوْمِ يَوْماً ، وَ بِالسَّاعَةِ سَاعَةً ، وَ بِالسَّنَةِ سَنَةً ، وَ لَيَقُومَنَّ بِثَأْرِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ جَمِيعاً .
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ هذَا الْبَيْتُ يَلْحَقُ صَاحِبَنَا :
[


.........................................]
مَنَّتْكَ نَفْسُكَ فِي الْخَلَاءِ ضَلَالاً

1.في الكافي المطبوع: «الأسنّ».

2.في الكافي المطبوع: «ذلك».


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 4
44

وَ كَلَّمَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَيْسَ هذَا مَوْضِعَ ذلِكَ ، نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَرَجَعَ أَبِي مَسْرُوراً .
ثُمَّ أَقَامَ حَتّى‏ إِذَا كَانَ الْغَدُ أَوْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ ، انْطَلَقْنَا حَتّى‏ أَتَيْنَاهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبِي وَ أَنَا مَعَهُ ، فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ فِيمَا يَقُولُ : قَدْ عَلِمْتَ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - أَنَّ السِّنَّ لِي عَلَيْكَ ، وَ أَنَّ فِي قَوْمِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ قَدَّمَ لَكَ فَضْلاً لَيْسَ هُوَ لِأَحَدٍ مِنْ قَوْمِكَ ، وَ قَدْ جِئْتُكَ مُعْتَمِداً لِمَا أَعْلَمُ مِنْ بِرِّكَ ، وَ أَعْلَمُ - فَدَيْتُكَ - أَنَّكَ إِذَا أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ ، وَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيَّ اثْنَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَ لَا غَيْرِهِمْ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّكَ تَجِدُ غَيْرِي أَطْوَعَ لَكَ مِنِّي ، وَ لَا حَاجَةَ لَكَ فِيَّ ؛ فَوَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْبَادِيَةَ أَوْ أَهُمُّ بِهَا ، فَأَثْقُلُ عَنْهَا ، وَ أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا أُدْرِكُهُ إِلَّا بَعْدَ كَدٍّ وَ تَعَبٍ وَ مَشَقَّةٍ عَلى‏ نَفْسِي ؛ فَاطْلُبْ غَيْرِي ، وَ سَلْهُ ذلِكَ ، وَ لَا تُعْلِمْهُمْ أَنَّكَ جِئْتَنِي» .
فَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ مَادُّونَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ ، وَ إِنْ أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي أَحَدٌ ، وَ لَكَ أَنْ لَا تُكَلَّفَ قِتَالاً وَ لَا مَكْرُوهاً.
قَالَ : وَ هَجَمَ عَلَيْنَا نَاسٌ فَدَخَلُوا ، وَ قَطَعُوا كَلَامَنَا ، فَقَالَ أَبِي : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ : «نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَقَالَ : أَ لَيْسَ عَلى‏ مَا أُحِبُّ ؟ فَقَالَ : «عَلى‏ مَا نُحِبُ‏۱ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ إِصْلَاحِكَ».
ثُمَّ انْصَرَفَ حَتّى‏ جَاءَ الْبَيْتَ ، فَبَعَثَ رَسُولاً إِلى‏ مُحَمَّدٍ فِي جَبَلٍ بِجُهَيْنَةَ - يُقَالُ لَهُ : الْأَشْقَرُ - عَلى‏ لَيْلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَبَشَّرَهُ ، وَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ لَهُ بِوَجْهِ حَاجَتِهِ وَ مَا طَلَبَ .
ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَوُقِّفْنَا بِالْبَابِ - وَ لَمْ نَكُنْ نُحْجَبُ إِذَا جِئْنَا - فَأَبْطَأَ الرَّسُولُ ، ثُمَّ أَذِنَ لَنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، فَجَلَسْنَا۲ فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ ، وَ دَنَا أَبِي إِلَيْهِ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ عُدْتُ إِلَيْكَ رَاجِياً ، مُؤَمِّلاً ، قَدِ انْبَسَطَ رَجَائِي وَ أَمَلِي ، وَ رَجَوْتُ الدَّرْكَ لِحَاجَتِي .

1.في الكافي المطبوع: «تحبّ».

2.في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «فجلست».

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 4
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
تعداد بازدید : 133025
صفحه از 612
پرینت  ارسال به