309
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3

الْأَرَضِينَ ، وَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُنَّ سَمَاوَاتٌ وَ لَا أَرَضُونَ ، أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالى‏ : «وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ»؟»
فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : أَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً»؟
فَقَالَ لَهُ‏۱ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : ««إِلّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ» وَ كَانَ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله مِمَّنِ ارْتَضَاهُ .
وَ أَمَّا قَوْلُهُ : «عالِمُ الْغَيْبِ» فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ - فِيمَا يُقَدِّرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَيَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ - قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَ قَبْلَ أَنْ يُفْضِيَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ ؛ فَذلِكَ يَا حُمْرَانُ ، عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ ، إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ ، وَ يَبْدُو لَهُ فِيهِ ، فَلَا يُمْضِيهِ ؛ فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - ويَقْضِيهِ وَ يُمْضِيهِ ، فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهى‏ إِلى‏ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ثُمَّ إِلَيْنَا» .

هديّة:

«بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» في سورة البقرة والأنعام أيضاً، وهذا الحديث يناسب قوله تعالى في سورة الأنعام: «بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْ‏ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ‏ءٍ عَلِيمٌ»۲. و«البديع» بمعنى الفاعل، أو بمعنى المفعول، من باب منع، وعلى الأوّل وصف بحال الموصوف كضارب الرجل، وعلى الثاني وصف بحال متعلّق الموصوف كحسن الوجه، و«البدعة» و«الابتداع»: ابتداء فعل شي‏ء بلا مادّة سابقة، سواء كان الابتداء بإحداث ذلك الشي‏ء أو بإحداث مادّته بشرط علم الفاعل بأنّ تلك المادّة إنّما تحدث لذلك الشي‏ء خاصّة.
و«المثال»: الشكل والصورة، والمراد هنا: المادّة القديمة.
وقال برهان الفضلاء: والمراد بالمثال هنا الجسم. وفي الحديث - كما سيجي‏ء في

1.في الكافي المطبوع: - «له».

2.البقرة (۲): ۱۱۷؛ الأنعام (۶): ۱۰۱.


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
308

والتنوين للتعظيم، فحقٌّ أنّ اللَّه تبارك وتعالى لا يطّلع على غيبه إلّا من كان معصوماً ممتازاً بيّناً في الحسب، معلوماً في النسب إلى آدم عليه السلام، وأنّ سرّ اللَّه تعالى ليس كما وَهَمَ الصوفيّ القدريّ من الخيال الذي إذا أظهر كان كفراً بحكم شرع الحكيم تعالى، بل أسرار اللَّه سبحانه إنّما هي عجايبات علمه الذي لا يتناهى، وما لا نهاية له لا نهاية لعجائباته أيضاً، وكان مع الخضر عليه السلام منها - كما في سورة الكهف - ما لم يكن لموسى عليه السلام مع كونه من اُولي العزم، وعدم نقصه بحسب ما كان يحتاج إليه من العلوم في أمر النبوّة والرسالة وكونه من اُولي العزم، فلا إشكال بأحاديث الباب التالي للتالي الدالّة على أنّه لا يخفى عليهم - صلوات اللَّه عليه - شي‏ء، وبمثل حديث: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله [أو ]لكفّره».۱ ولو علم سلمان أيضاً ما في قلب أبي ذرّ لقتله أو لكفّره، أفلم يعلم القدريّ أنّ حمل مثل الحديث على السرّ الذي هو كفر شرعاً إذا أظهر، له مفاسد لا تحصى، كما ذكرنا طائفة منها في بيان أحاديث كتاب العقل، ولا معنى للمنافق سوى أنّه يكتم ما هو كفر شرعاً إذا أظهره، ألا يرى أنّ قتل غير المكلّف قبل أن يعلم موسى‏ عليه السلام حكمته وبعد حكمه بقتل القاتل قصاصاً ليس كفراً بعد العلم بحكمته.

الحديث الثاني‏

۰.روى في الكافي بإسناده عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِ‏۲، قَالَ : سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :«بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ»فَقَالَ‏۳أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِعِلْمِهِ عَلى‏ غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ قَبْلَهُ ، فَابْتَدَعَ السَّمَاوَاتِ وَ

1.الكافي، ج ۱، ص ۴۰۱، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ح ۲؛ وعنه في البحار، ج ۲، ص ۱۹۰، ح ۱۹۰، والحديث هكذا: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله».

2.السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصيرفي».

3.في الكافي المطبوع: «قال».

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 142451
صفحه از 592
پرینت  ارسال به