435
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3

وروى ثقة الإسلام في الروضة بإسناده، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أنّه قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام هذه الآية، فقال: «بلى واللَّه، لقد كذّبوه أشدّ التكذيب، ولكنّها مخفّفة «فإنّهم لا يكذبونك»: لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك».۱
وهذا التفسير موافق لما فسّرها عليه السلام به هنا بقوله: (لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم)نقلت آية سورة الأنعام‏۲ بالمعنى وأوّلها في سورة الحجر۳ أيضاً.
«أكذبه»: وجده كاذباً، وأظهر كذبه بحجّة.
والمراد ب (هذه السورة) سورة ألم نشرح، وفي بعض النسخ: «هذه الآية» مكان «هذه السورة»، يعني آية «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ».
قيل: الظاهر من أحاديث أئمّتنا عليهم السلام قراءة «فَانصَبْ» بكسر الصاد، يعني فإذا فرغت من حجّة الوداع فانصب علمك عليّاً عليه السلام، واعلن فضله.
أقول: لا حاجة للغرض إلى كسر الصاد، بل المقصود على القراءتين - كما يستفاد من أخبارهم عليهم السلام - أمرٌ واحد، فإنّ المعنى على فتح الصاد من «النَّصب» بمعنى التّعب: فإذا فرغت فاتعب بالرجوع عن سفرك من منزل الغدير الذي سافرت عنه؛ لما علمت بتعليم جبرئيل عليه السلام وأمره إيّاك بالرجوع والنزول في الذي ارتحلت عنه، وكانت مسافة الرجوع ستّة أميال في أربعين ألفاً من الناس. أو المعنى: فاتعب برفع علمك ونصبه على يديك، أو فاتعب بالصبر على إظهار المنافقين نفاقهم بالغمز والهمز والنجوى عند الإعلان، فتبادرهم بالتهنئة والتسليم قولهم ما قالوا جهاراً رئاءً، ثمّ قولهم ما قالوا تخافتاً نفاقاً، وصاحب الكشّاف بعد قطعه بنصب الصاد من النّصب بمعنى التّعب على معنى إذا فرغت من عبادة عقّب نفسك باُخرى واتعبها بالاشتغال بعد الاشتغال، قال:
ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنّه قرأ فانصب بكسر الصاد، أي فانصب عليّاً

1.الكافي، ج ۸، ص ۲۰۰، ح ۲۴۱، وفي الطبعة الجديدة، ج ۱۵، ص ۴۶۷، ح ۱۵۰۵۷.

2.الأنعام (۶): ۳۳.

3.الحجر (۱۵): ۹۷.


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
434

(فأخبر اللَّه عزّ وجلّ) يعني في سورة الأعلى: «إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى»۱ الآية. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة، وصحف إدريس ثلاثين، وصحف شيث خمسين»،۲ يعني ما يتلى من الاسم الأكبر على الناس. وعن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه: أنّه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «اقرأ يا أبا ذرّ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»۳»،۴يعني فيها أمثال هذه الكلمات من الحِكَم والمواعظ.
«وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ» الآية في سورة النحل وسورة الحجر.۵«وَقُلْ سَلَامٌ» في الزخرف.۶«لَا يُكَذِّبُونَكَ» يعني بل يكذّبون اللَّه في الحقيقة، أو المعنى: لا يكذّبونك بقلوبهم وإن كانوا يجحدونك بألسنتهم، كذا في الكشّاف أيضاً،۷ نظير قوله تعالى في سورة النمل: «جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ»۸.
وقيل: يعني لا يكذّبونك ولا يجحدونك، ولكنّهم يجحدون بآيات اللَّه، وذلك أنّه صلى اللَّه عليه وآله كان ملقّباً عند الجاحدين أيضاً ب «الأمين» وكان أبوجهل يقول: ما نكذّبك وأنّك عندنا لمصدّق، وإنّما نكذّب ما جئتنا به.۹

1.الأعلى (۸۷): ۱۸.

2.إرشاد القلوب، ج ۲، ص ۴۱۶؛ وعنه في البحار، ج ۲۶، ص ۲۲۱، ح ۴۷.

3.الأعلى (۸۷): ۱۴ - ۱۹.

4.الخصال، ج ۲، ص ۵۲۳، أبواب العشرين، ح ۱۳؛ معاني الأخبار، ص ۳۳۲، ح ۱؛ وعنهما في البحار، ج ۱۲، ص ۷۱، ح ۱۴.

5.النحل (۱۶): ۱۲۷؛ الحجر (۱۵): ۸۸؛ وكذلك في سورة النمل ۰۲۷): ۷۰.

6.الزخرف (۴۳): ۸۹ .

7.الكشّاف، ج ۲، ص ۱۴.

8.النمل (۲۷): ۱۴.

9.نسب هذا القول إلى ابن عباس. راجع: الكشّاف، ج ۲، ص ۱۴.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 142446
صفحه از 592
پرینت  ارسال به