51
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3

لعدوله عن جهة الحقيقة المطلوبة لاستيعاب همّه بتهيئة أسباب المعيشة .
ثمّ قال:
ثمّ إنّ العلوم التي ليست ضروريّة إنّما تحصل في القلب تارةً بالاكتساب بطريق الاستدلال والتعلّم، وتارةً بهجومها على القلب، وهذا قد يكون مع عدم الاطّلاع على السبب ، وهو مشاهدة الملك ، ويسمّى إلهاماً ونفثاً في الروع إن كان نكتاً في القلب ، وحديثُ مَلَك إن كان نقراً في السمع ، ويختصّ بهما الأولياء والأئمّة، وقد يكون مع الاطّلاع على ذلك ويسمّى وحياً ، ويختصّ به الأنبياء والرُّسل. انتهى.۱
أقول : قوله : «مع عدم الاطّلاع على السبب» كأنّ بناؤه على التعبير في كتب الصوفيّة القدريّة عن للاتّصالات التامّة بالمبادئ العالية بالأسباب الكاملة ؛ لوصول النفوس في الاتّصال إلى أعلى درجات الكمال ، و كفي في بطلان مقالاتهم الممنوعة شرعاً - من جهالاتهم المنقولة آنفاً و غيرها ، المسطورة في كتبهم مشروحاً - كونها عارية عن الفائدة إلّا زيادة اللعنة عليهم من أهل ا لشريعة ، فإنّها ليست دواء لهم لتكفيرهم صاحبها بأمر الشارع العاقل عن العدل الحكيم ، ولاحاجة لأهل الحقيقة على ما قرّروا في طريقتهم و شرّعوا من عند أنفسهم إلى دواء ؛ قال اللَّه تعالى في سورة الشورى : «أَمْ لَهُمْ شُرَكَؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَ لَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»۲ إلّا أن يكون غرضهم من أمثال بياناتهم زيادة اللعنة عليهم لزيادة الرتبة بعقائدهم ، والشيطان ملقّب عندهم برئيس الموحّدين لذلك ، اُولئك عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ، و على من أبي و توقّف في لعنهم إلى يوم الدين ، لعنهم اللَّه ، ثمّ لعنهم اللَّه مادامت السموات والأرضون ، وطوبى للمؤمنين لحجج ربّ العالمين «ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» .۳

1.الوافي ، ج ۲ ، ص ۷۷ ، مع اختلاف يسير.

2.الشورى (۴۲): ۲۱.

3.الحديد (۵۷): ۲۱.


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
50

فمن مقالات الصوفيّة في كتبهم المعتبرة عندهم : إنّ الوجود البحت بلا شرط مستعدٌّ أزلاً وأبداً بطبعه المقتضي لجميع ما يوجد من الممكنات المحصورة، وبعبارة اُخرى : من الشؤوناتِ المنتظمة في سلسلتَيِ البدوِ والعود، وأنّ الوجود لأكوانه وشؤوناته بمنزلة الهيولى للصور، وفي رتبة البحر لأمواجه ونفّاخاته ، وبأنّ الشريعة وضعت للمسجونين في سجّين المادّيات ، والطريقة للمرتاضين بالرياضات ، والحقيقة للواصلين بعلّيّين المجرّدات، وبَنَوا بهذا قولهم: «نهايةُ الأنبياء بدايةُ الأولياء»،۱ وقولهم: «إذا ظهرتِ الحقائقُ بَطَلتِ الشرائع» ،۲وقولهم: «القيد كفرٌ ولو كان باللَّه»،۳ وغير ذلك من هذياناتهم عند كونهم مجبورين في التكلّم بها بتسلّط الشيطان على قلوبهم وألسنتهم ، وتخبّطه إيّاهم من المسّ.
قال ذلك الرومي في الدفتر الخامس من كتابه : «إنّما تبطل الشرائع عند ظهور الحقائق؛ لأنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والكيمياء للصُّفْر، فأين الصحيح من الدواء والذهب من الكيمياء؟».۴
وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث في باب الفرق بين النبيّ والرسول والمحدّث :
جملة القول في تحقيق حصول العلم في قلوب المستعدّين له: أنّ حقائق الأشياء كلّها مسطورة في اللوح المحفوظ ، وإنّما تفيض على قلوبنا من ذلك العالم بواسطة القلم العقلي الكاتب في ألواح نفوسنا، وقلب الإنسان صالح لأن ينتقش فيه العلوم كلّها ، وهو كمرآة مستعدّة لأن يتجلّى فيه حقيقة الحقّ في الاُمور كلّها من اللوح المحفوظ ، وإنّما خلّى عمّا خلّى عنه من المعلوم إمّا لنقصان في ذاته كقلب الصبيّ، أو لكثرة المعاصي، أو

1.نقل بالمعنى. راجع: الفتوحات المكّية، ج ۲، ص ۵۲ و ۲۵۶ و ۲۵۷؛ فصوص الحكم، ص ۶۲ و ۱۳۵؛ شرح فصوص الحكم للقيصري، ص ۱۴۵ - ۱۴۸.

2.مثنوى معنوى، ديباجة الدفتر الخامس، ص ۷۲۶؛ شرح الأسماء الحسنى للسبزواري، ص ۲۶۲.

3.نقل بالمعنى. راجع: شرح فصوص الحكم للجندي، ص ۴۶۱؛ شرح فصوص الحكم للكاشاني، ص ۱۶۵.

4.مثنوى معنوى ، ديباجة الدفتر الخامس ، ص ۷۲۶ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 145648
صفحه از 592
پرینت  ارسال به