لعدوله عن جهة الحقيقة المطلوبة لاستيعاب همّه بتهيئة أسباب المعيشة .
ثمّ قال:
ثمّ إنّ العلوم التي ليست ضروريّة إنّما تحصل في القلب تارةً بالاكتساب بطريق الاستدلال والتعلّم، وتارةً بهجومها على القلب، وهذا قد يكون مع عدم الاطّلاع على السبب ، وهو مشاهدة الملك ، ويسمّى إلهاماً ونفثاً في الروع إن كان نكتاً في القلب ، وحديثُ مَلَك إن كان نقراً في السمع ، ويختصّ بهما الأولياء والأئمّة، وقد يكون مع الاطّلاع على ذلك ويسمّى وحياً ، ويختصّ به الأنبياء والرُّسل. انتهى.۱
أقول : قوله : «مع عدم الاطّلاع على السبب» كأنّ بناؤه على التعبير في كتب الصوفيّة القدريّة عن للاتّصالات التامّة بالمبادئ العالية بالأسباب الكاملة ؛ لوصول النفوس في الاتّصال إلى أعلى درجات الكمال ، و كفي في بطلان مقالاتهم الممنوعة شرعاً - من جهالاتهم المنقولة آنفاً و غيرها ، المسطورة في كتبهم مشروحاً - كونها عارية عن الفائدة إلّا زيادة اللعنة عليهم من أهل ا لشريعة ، فإنّها ليست دواء لهم لتكفيرهم صاحبها بأمر الشارع العاقل عن العدل الحكيم ، ولاحاجة لأهل الحقيقة على ما قرّروا في طريقتهم و شرّعوا من عند أنفسهم إلى دواء ؛ قال اللَّه تعالى في سورة الشورى : «أَمْ لَهُمْ شُرَكَؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَ لَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»۲ إلّا أن يكون غرضهم من أمثال بياناتهم زيادة اللعنة عليهم لزيادة الرتبة بعقائدهم ، والشيطان ملقّب عندهم برئيس الموحّدين لذلك ، اُولئك عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ، و على من أبي و توقّف في لعنهم إلى يوم الدين ، لعنهم اللَّه ، ثمّ لعنهم اللَّه مادامت السموات والأرضون ، وطوبى للمؤمنين لحجج ربّ العالمين «ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» .۳