83
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3

الثالث بالعصيان لما لا يخفى. والتعبير عن الثاني بالفسوق هنا - وهو مفرد وجمع - فلتناظره للطرفين ، وللإشارة إلى كثرة ظلمه وأنّه أكثر ظلماً من صاحبيه، وعن الأوّل بالكفر لوجوه، منها: ظهور طغيان كُفرِه أوّلاً وهو معيار سائر الوجوه، فتدبّر، وكانت مدّة خلافته سنتين، قال اللَّه تعالى في سورة الزمر: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»۱، وفي سورة المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ»۲، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ»۳، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»۴.
ولا تغفل عن نزول «أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ» قبل اشتهار الخلفاء الراشدين فيما بين المخالفين ، بعد انقراض زمانهم. والمشار إليه لاُولئك: الذين عبّر عنهم بالإيمان ، لما عرفت، وليس في الآية ما يصلح أن يكون مشار إليه غيره، فقال في سورة الفاطر: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ»۵ إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول في سورة الحجّ: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ»۶.
والمراد ب «المسجد» في قوله: (عند كلّ مسجد) الإمامُ الحقّ، كما فسّرت «المساجد» في قوله تعالى في سورة الجنّ: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ‏ِ»۷ بالأئمّة عليهم السلام، إذ لا تقبل عبادة بدون ولايتهم وهم مَحالّ سجود العباد وخضوعهم للَّه تبارك وتعالى.
(استخلص الرسلَ لأمره): استمحضهم بما لا مزيد عليه بأن جَعَلَهم خالصين من كلّ منافٍ لفضل العصمة اللازمة للحجّية. وهذا ناظر إلى قوله تعالى في سورة ص ، بعد

1.الزمر (۳۹): ۸ .

2.المائدة (۵): ۴۴.

3.المائدة (۵): ۴۵.

4.المائدة (۵): ۴۷.

5.فاطر (۳۵): ۲۴.

6.الحج (۲۲): ۴۶.

7.الجن (۷۲): ۱۸.


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
82

وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ»1 الآية.
قوله تعالى في الأعراف: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»2، فسّر الفاضل الاسترآبادي «الزينة» بخطّه : بالتمسّك بأهل البيت عليهم السلام وبالكيفيّة المسموعة منهم عند كلّ صلاة، قال: وحيّ على خير العمل مفسّر في بعض الروايات بذلك‏3. وبرهان الفضلاء وأكثرهم : بلباس التقوى والعلم بالأحكام الإلهيّة مأخوذةً عن المعصوم أو محكماتِ الكتاب والسنّة.
أقول: نعم، الزينة : التقوى ، لكن بعد زينة الإيمان؛ وقد عبّر القرآن في سورة الحجرات عن معرفة الإمام ب «الزينة» ، قال اللَّه سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»4. قد عبّر عن الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام ب «الإيمان» بدليل «أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ» على المبالغة ، كعدل للعادل . والإفراد لعدم التفاوت في نور الولاية والعلم وفضل الحكمة والعصمة؛ وعن الإيمان ب «النِّعمة» في مواضع كثيرة ، منها: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»5، «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى»6، «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»7.
وكما أنّ النعمة في نسق القرآن عبارةٌ عن التشيّع ، يعني موالاة الحجّة المعصوم والتبرّي من أعدائه بشروطهما في أيّ زمان كان ، من لدن آدم إلى آخر الزمان، كذلك التعبير فيه عن الأوّل بالكفر، وعن الثاني بالظلم أو الفسق - وهو لغةً الظلم - ، وعن

1.النور (۲۴): ۳۶ - ۳۷.

2.الأعراف (۷): ۳۱.

3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۴۰.

4.الحجرات (۴۹): ۷ - ۸ .

5.الفاتحة (۱): ۷.

6.المائدة (۵): ۳.

7.الضحى (۹۳): ۱۱.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 122710
صفحه از 592
پرینت  ارسال به