وَاللَّهِ ، لَكَأَنّي أنظُرُ إلى أيّامِ عُثمانَ . وسَمِعَ عَمرُو بنُ سَعيدٍ الصَّيحَةَ مِن دورِ بَني هاشِمٍ ، فَقالً :
عَجَّت نِساءُ بَني زِيادٍ عَجَّةًكَعَجيجِ نِسوَتِنا غَداةَ الأَرنَبِ۱
وَالشِّعرُ لِعمَرِو بنِ مَعدي كَرَبَ في وَقعَةٍ كانَت بَينَ بَني زُبَيدٍ وبَينَ بَنِي الحارِثِ بنِ كَعبٍ .
ثُمَّ خَرَجَ عَمرُو بنُ سَعيدٍ إلَى المِنبَرِ ، فَخَطَبَ النّاسَ ، ثُمَّ ذَكَرَ حُسَيناً وما كانَ مِن أمرِهِ ، وقالَ : وَاللَّهِ ، لَوَدِدتُ أنَّ رَأسَهُ في جَسَدِهِ وروحَهُ في بَدَنِهِ يَسُبُّنا ونَمدَحُهُ ، ويَقطَعُنا ونَصِلُهُ كَعادَتِنا وعادَتِهِ !
فَقامَ ابنُ أبي حُبَيشٍ - أحَدُ بَني أسَدِ بنِ عَبدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ - فَقالَ : أما لَو كانَت فاطِمَةُ عليها السلام حَيَّةً لَأَحزَنَها ما تَرى !
فَقال عَمرٌو : اُسكُت لا سَكَتَّ ، أتُنازِعُني فاطِمَةُ وأنَا مَن عَفَّرَ ظِبابَها ،۲وَاللَّهِ ، إنَّهُ لَابنُنا ، وإنَّ اُمَّهُ لَابنَتُنا، أجَل وَاللَّهِ ، لَو كانَت فاطِمَةُ حَيَّةً لَأَحزَنَها قَتلُهُ ، ثُمَّ لَم تَلُم مَن قَتَلَهُ يَدفَعُ عَن نَفسِهِ ! فَقالَ ابنُ أبي حُبَيشٍ : إنَّهُ ابنُ فاطِمَةَ عليها السلام ، وفاطِمَةُ بِنتُ خَديجَةَ بِنتِ خُوَيلِدِ بنِ أسَدِ بنِ عَبدِ العُزّى .
ثُمَّ أمَرَ عَمرُو بنُ سَعيدٍ بِرَأسِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَكُفِّنَ ودُفِنَ بِالبَقيعِ عِندَ قَبرِ اُمِّهِ .۳
۱۴۶۴.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : إنَّ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ حينَ قُدِمَ عَلَيهِ بِرَأسِ الحُسَينِ عليه السلام وعِيالِهِ ، بَعَثَ إلَى المَدينَةِ ، فَأَقدَمَ عَلَيهِ عِدَّةً مِن مَوالي بَني هاشِمٍ ، وضَمَّ إلَيهِم عِدَّةً مِن مَوالي آلِ أبي سُفيانَ ، ثُمَّ بَعَثَ بِثَقَلِ الحُسَينِ عليه السلام ومَن بَقِيَ مِن أهلِهِ مَعَهُم ، وجَهَّزَهُم بِكُلِّ شَيءٍ ، ولَم يَدَع لَهُم حاجَةً بِالمَدينَةِ إلّا أمَرَ لَهُم بِها ، وبَعَثَ رَأسَ الحُسَينِ عليه السلام إلى عَمرِو بنِ سَعيدِ بنِ العاصِ - وهُوَ إذ ذاكَ
1.الأرنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمرو بن معديكرب (تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۶۶ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۷۹) . وسيأتي في بعض النقول : «الأزيب» و«الأذيب» بدل «الأرنب» ، والظاهر أنّه تصحيف .
2.عفّر ظبابها : أي سلّ سيفه وضرب به عدوّه حتّى مرّغه ودسّه في التراب (راجع : لسان العرب : ج ۴ ص ۵۸۳ «عفر» و ج ۱ ص ۵۶۸ «ظبب») .
3.الطبقات الكبرى (الطبقة الخامسة من الصحابة) : ج ۱ ص ۴۹۰ ، المنتظم : ج ۵ ص ۳۴۴ ، سير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۳۱۵ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۵ ص ۲۰ كلاهما نحوه .