وكانَ إلى جانِبِهِ زَيدُ بنُ أرقَمَ صاحِبُ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وهُوَ شَيخٌ كَبيرٌ ، فَلَمّا رَآهُ يَضرِبُ بِالقَضيبِ ثَناياهُ قالَ لَهُ :
اِرفَع قَضيبَكَ عَن هاتَينِ الشَّفَتَينِ ، فَوَاللَّهِ الَّذي لا إلهَ غَيرُهُ لَقَد رَأَيتُ شَفَتَي رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلَيهِما ما لا اُحصيهِ كَثرَةً تُقَبِّلُهُما .۱ثُمَّ انتَحَبَ باكِياً .
فَقالَ لَهُ ابنُ زِيادٍ : أبكَى اللَّهُ عَينَيكَ ، أتَبكي لِفَتحِ اللَّهِ ؟ وَاللَّهِ لَولا أنَّكَ شَيخٌ قَد خَرِفتَ وذَهَبَ عَقلُكَ لَضَرَبتُ عُنُقَكَ . فَنَهَضَ زَيدُ بنُ أرقَمَ مِن بَينِ يَدَيهِ وصارَ إلى مَنزِلِهِ .۲
۱۵۱۱.تاريخ الطبري عن حميد بن مسلم : دَعاني عُمَرُ بنُ سَعدٍ فَسَرَّحَني إلى أهلِهِ لِاُبَشِّرَهُم بِفَتحِ اللَّهِ عَلَيهِ وبِعافِيَتِهِ ، فَأَقبَلتُ حَتّى أتَيتُ أهلَهُ فَأَعلَمتُهُم ذلِكَ ، ثُمَّ أقبَلتُ حَتّى أدخُلَ فَأَجِدَ ابنَ زِيادٍ قَد جَلَسَ لِلنّاسِ ، وأجِدَ الوَفَد قَد قَدِموا عَلَيهِ ، فَأَدخَلَهُم وأذِنَ لِلنّاسِ ، فَدَخَلتُ فيمَن دَخَلَ ، فَإِذا رَأسُ الحُسَينِ عليه السلام مَوضوعٌ بَينَ يَدَيهِ ، وإذا هُوَ يَنكُتُ بِقَضيبٍ بَينَ ثَنِيَّتَيهِ ساعَةً .
فَلَمّا رَآهُ زَيدُ بنُ أرقَمَ لا يُنجِمُ عَن نَكتِهِ بِالقَضيبِ ، قالَ لَهُ : اُعلُ بِهذَا القَضيبِ عَن هاتَينِ الثَّنِيَّتَينِ ، فَوَالَّذي لا إلهَ غَيرُهُ ، لَقَد رَأَيتُ شَفَتَي رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى هاتَينِ الشَّفَتَينِ يُقَبِّلُهُما ، ثُمَّ انفَضَخَ۳الشَّيخُ يَبكي ، فَقالَ لَهُ ابنُ زِيادٍ : أبكَى اللَّهُ عَينَيكَ ، فَوَاللَّهِ لَولا أنَّكَ شَيخٌ قَد خَرِفتَ وذَهَبَ عَقلُكَ لَضَرَبتُ عُنُقَكَ .
قالَ : فَنَهَضَ فَخَرَجَ ، فَلَمّا خَرَجَ سَمِعتُ النّاسَ يَقولونَ : وَاللَّهِ لَقَد قالَ زَيدُ بنُ أرقَمَ قَولاً لَو سَمِعَهُ ابنُ زِيادٍ لَقَتَلَهُ .
قالَ : فَقُلتُ : ما قالَ ؟ قالوا : مَرَّ بِنا وهُوَ يَقولُ : مَلَّكَ عَبدٌ عَبداً فَاتَّخَذَهُم تُلداً۴ ، أنتُم يا مَعشَرَ العَرَبِ العَبيدُ بَعدَ اليَومِ ، قَتَلتُمُ ابنَ فاطِمَةَ وأمَّرتُمُ ابنَ مَرجانَةَ ، فَهُوَ يَقتُلُ خِيارَكُم ويَستَعبِدُ شِرارَكُم ، فَرَضيتُم بِالذُّلِّ ، فَبُعداً لِمَن رَضِيَ بِالذُّلِّ .۵
1.كذا في المصدر والصواب «يُقَبِّلُهُما» كما في بحار الأنوار وكما في النصّ الآتي.
2.الإرشاد : ج ۲ ص ۱۱۴ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۷۱ ، كشف الغمّة : ج ۲ ص ۲۷۵ ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۱۶ وراجع : جواهر المطالب : ج ۲ ص ۲۹۱ .
3.انْفَضَخَ : بكى شديداً (تاج العروس : ج ۴ ص ۳۰۲ «فضخ») .
4.التليد : ما وُلِدَ عند غيرك ثمّ اشتريته صغيراً فثبت عندك (تاج العروس : ج ۴ ص ۳۶۹ «تلد») .
5.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۵۶ ، أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۴۱۲ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۷۴ ، اُسد الغابة : ج ۲ ص ۲۸ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۲ ص ۴۵ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۹۰ كلّها نحوه وراجع : الأخبار الطوال : ص ۲۵۹ وسير أعلام النبلاء : ج ۳ ص ۳۱۰ .