1067
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

وَاضرِب عُنُقَيهِما، وَائتِني بِرَأسَيهِما لِأَنطَلِقَ بِهِما إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ، وآخُذَ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَحَمَلَ الغُلامُ السَّيفَ، ومَشى‏ أمامَ الغُلامَينِ، فَما مَضى‏ إلّا غَيرَ بَعيدٍ حَتّى‏ قالَ أحَدُ الغُلامَينِ : يا أسوَدُ، ما أشبَهَ سَوادَكَ بِسَوادِ بِلالٍ مُؤَذِّنِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله! قالَ : إنَّ مَولايَ قَد أمَرَني بِقَتلِكُما، فَمَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا أسوَدُ، نَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ: أضافَتنا عَجوزُكُم هذِهِ، ويُريدُ مَولاكَ قَتلَنا.
فَانكَبَّ الأَسوَدُ عَلى‏ أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ويَقولُ: نَفسي لِنَفسِكُمَا الفِداءُ، ووَجهي لِوَجهِكُمَا الوِقاءُ، يا عِترَةَ نَبِيِّ اللَّهِ المُصطَفى‏، وَاللَّهِ لا يَكونُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله خَصمي فِي القِيامَةِ .
ثُمَّ عَدا فَرَمى‏ بِالسَّيفِ مِن يَدِهِ ناحِيَةً، وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ، وعَبَرَ إلَى الجانِبِ الآخَرِ، فَصاحَ بِهِ مَولاهُ: يا غُلامُ عَصَيتَني ! فَقالَ: يا مَولايَ، إنَّما أطَعتُكَ ما دُمتَ لا تَعصِي اللَّهَ، فَإِذا عَصَيتَ اللَّهَ فَأَنَا مِنكَ بَرِي‏ءٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
فَدَعَا ابنَهُ، فَقالَ: يا بُنَيَّ، إنَّما أجمَعُ الدُّنيا حَلالَها وحَرامَها لَكَ ، وَالدُّنيا مُحَرَّصٌ عَلَيها، فَخُذ هذَينِ الغُلامَينِ إلَيكَ، فَانطَلِق بِهِما إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ، فَاضرِب عُنُقَيهِما وَائتِني بِرَأسَيهِما، لِأَنطَلِقَ بِهِما إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ وآخُذَ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَأَخَذَ الغُلامُ السَّيفُ، ومَشى‏ أمامَ الغُلامَينِ، فَما مَضى‏ إلّا غَيرَ بَعيدٍ حَتّى‏ قالَ أحَدُ الغُلامَينِ: يا شابُّ، ما أخوَفَني عَلى‏ شَبابِكَ هذا مِن نارِ جَهَنَّمَ! فَقالَ: يا حَبيبَيَّ ، فَمَن أنتُما ؟ قالا : مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله يُريدُ والِدُكَ قَتلَنا .
فَانكَبَّ الغُلامُ عَلى‏ أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ، وهُوَ يَقولُ لَهُما مَقالَةَ الأَسوَدِ ، ورَمى‏ بِالسَّيفِ ناحِيَةً وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ وعَبَرَ، فَصاحَ بِهِ أبوهُ : يا بُنَيَّ عَصَيتَني! قالَ : لَأَن اُطيعَ اللَّهَ وأعصِيَكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أعصِيَ اللَّهَ واُطيعَكَ .
قالَ الشَّيخُ : لا يَلي قَتلَكُما أحَدٌ غَيري ، وأخَذَ السَّيفَ ومَشى‏ أمامَهُما، فَلَمّا صارَ إلى‏ شاطِى‏ءِ الفُراتِ سَلَّ السَّيفَ مِن جَفنِهِ، فَلَمّا نَظَرَ الغُلامانِ إلَى السَّيفِ مَسلولاً اغرَورَقَت أعيُنُهُما، وقالا لَهُ: يا شَيخُ، اِنطَلِق بِنا إلَى السّوقِ وَاستَمتِع بِأَثمانِنا، ولا تُرِد أن يَكوَن مُحَمَّدٌ خَصمَكَ فِي القِيامَةِ غَداً .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
1066

فَلَمّا كانَ في بَعضِ اللَّيلِ أقبَلَ خَتَنُ العَجوزِ الفاسِقُ حَتّى‏ قَرَعَ البابَ قَرعاً خَفيفاً ، فَقالَتِ العَجوزُ : مَن هذا ؟ قالَ: أنَا فُلانٌ. قالَت: مَا الَّذي أطرَقَكَ هذِهِ السّاعَةَ، ولَيسَ هذا لَكَ بِوَقتٍ ؟ قالَ : وَيحَكِ افتَحِي البابَ قَبلَ أن يَطيرَ عَقلي وتَنشَقَّ مَرارَتي في جَوفي ، جَهدُ البَلاءِ قَد نَزَلَ بي. قالَت: وَيحَكَ مَا الَّذي نَزَلَ بِكَ ؟ قالَ: هَرَبَ غُلامانِ صَغيرانِ مِن عَسكَرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ، فَنادَى الأَميرُ في مُعَسكَرِهِ: مَن جاءَ بِرَأسٍ واحِدٍ مِنهُما فَلَهُ ألفُ دِرهَمٍ، ومَن جاءَ بِرَأسَيهِما فَلَهُ ألفا دِرهَمٍ، فَقَد اُتعِبتُ وتَعِبتُ ولَم يَصِل في يَدي شَى‏ءٌ .
فَقالَتِ العَجوزُ: يا خَتَني! اِحذَر أن يَكونَ مُحَمَّدٌ خَصمَكَ في يَومِ القِيامَةِ. قالَ لَها : وَيحَكِ إنَّ الدُّنيا مُحَرَّصٌ عَلَيها. فَقالَت: وما تَصنَعُ بِالدُّنيا ولَيسَ مَعَها آخِرةٌَ ؟ قالَ: إنّي لَأَراكِ تُحامينَ عَنهُما، كَأَنَّ عِندَكِ مِن طَلَبِ الأَميرِ شَيئاً ، فَقومي فَإِنَّ الأَميرَ يَدعوكِ. قالَت: وما يَصنَعُ الأَميرُ بي ، وإنَّما أنَا عَجوزٌ في هذِهِ البَرِّيَّةِ ؟ قالَ: إنَّما لِيَ الطَّلَبُ، اِفتَحي لِيَ البابَ حَتّى‏ أريحَ وأستَريحَ، فَإِذا أصبَحتُ بَكَّرتُ في أيِّ الطَّريقِ آخُذُ في طَلَبِهِما. فَفَتَحَت لَهُ البابَ، وأتَتهُ بِطَعامٍ وشَرابٍ فَأَكَلَ وشَرِبَ .
فَلَمّا كانَ في بَعضِ اللَّيلِ سَمِعَ غَطيطَ الغُلامَينِ في جَوفِ البَيتِ، فَأَقبَلَ يَهيجُ كَما يَهيجُ البَعيرُ الهائِجُ ، ويَخورُ كَما يَخورُ الثَّورُ، ويَلمِسُ بِكَفِّهِ جِدارَ البَيتِ حَتّى‏ وَقَعَت يَدُهُ عَلى‏ جَنبِ الغُلامِ الصَّغيرِ ، فَقالَ لَهُ: مَن هذا ؟ قالَ: أمّا أنَا فَصاحِبُ المَنزِلِ، فَمَن أنتُما . فَأَقبَلَ الصَّغيرُ يُحَرِّكُ الكَبيرَ ويَقولُ : قُم يا حَبيبي، فَقَد وَاللَّهِ وَقَعنا فيما كُنّا نُحاذِرُهُ .
قالَ لَهُما: مَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا شَيخُ! إن نَحنُ صَدَقناكَ فَلَنَا الأَمانُ ؟ قالَ: نَعَم. قالا: أمانُ اللَّهِ وأمانُ رَسولِهِ، وذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رَسولِهِ ؟ قالَ: نَعَم .
قالا : ومُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ عَلى‏ ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ ؟ قالَ: نَعَم. قالا: وَاللَّهُ عَلى‏ ما نَقولُ وَكيلٌ وشَهيدٌ ؟ قالَ: نَعَم. قالا لَهُ: يا شَيخُ! فَنَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ. فَقالَ لَهُما: مِنَ المَوتِ هَرَبتُما، وإلَى المَوتِ وَقَعتُما، الحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي أظفَرَني بِكُما .
فَقامَ إلَى الغُلامَينِ فَشَدَّ أكتافَهُما، فَباتَ الغُلامانِ لَيلَتَهُما مُكَتَّفَينِ. فَلَمَّا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ، دَعا غُلاماً لَهُ أسوَدَ ، يُقالُ لَهُ: فُلَيحٌ، فَقالَ: خُذ هذَينِ الغُلامَينِ، فَانطَلِق بِهِما إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ،

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2002732
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به