وَاضرِب عُنُقَيهِما، وَائتِني بِرَأسَيهِما لِأَنطَلِقَ بِهِما إلى عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ، وآخُذَ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَحَمَلَ الغُلامُ السَّيفَ، ومَشى أمامَ الغُلامَينِ، فَما مَضى إلّا غَيرَ بَعيدٍ حَتّى قالَ أحَدُ الغُلامَينِ : يا أسوَدُ، ما أشبَهَ سَوادَكَ بِسَوادِ بِلالٍ مُؤَذِّنِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله! قالَ : إنَّ مَولايَ قَد أمَرَني بِقَتلِكُما، فَمَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا أسوَدُ، نَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ: أضافَتنا عَجوزُكُم هذِهِ، ويُريدُ مَولاكَ قَتلَنا.
فَانكَبَّ الأَسوَدُ عَلى أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ويَقولُ: نَفسي لِنَفسِكُمَا الفِداءُ، ووَجهي لِوَجهِكُمَا الوِقاءُ، يا عِترَةَ نَبِيِّ اللَّهِ المُصطَفى، وَاللَّهِ لا يَكونُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله خَصمي فِي القِيامَةِ .
ثُمَّ عَدا فَرَمى بِالسَّيفِ مِن يَدِهِ ناحِيَةً، وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ، وعَبَرَ إلَى الجانِبِ الآخَرِ، فَصاحَ بِهِ مَولاهُ: يا غُلامُ عَصَيتَني ! فَقالَ: يا مَولايَ، إنَّما أطَعتُكَ ما دُمتَ لا تَعصِي اللَّهَ، فَإِذا عَصَيتَ اللَّهَ فَأَنَا مِنكَ بَرِيءٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
فَدَعَا ابنَهُ، فَقالَ: يا بُنَيَّ، إنَّما أجمَعُ الدُّنيا حَلالَها وحَرامَها لَكَ ، وَالدُّنيا مُحَرَّصٌ عَلَيها، فَخُذ هذَينِ الغُلامَينِ إلَيكَ، فَانطَلِق بِهِما إلى شاطِئِ الفُراتِ، فَاضرِب عُنُقَيهِما وَائتِني بِرَأسَيهِما، لِأَنطَلِقَ بِهِما إلى عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ وآخُذَ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَأَخَذَ الغُلامُ السَّيفُ، ومَشى أمامَ الغُلامَينِ، فَما مَضى إلّا غَيرَ بَعيدٍ حَتّى قالَ أحَدُ الغُلامَينِ: يا شابُّ، ما أخوَفَني عَلى شَبابِكَ هذا مِن نارِ جَهَنَّمَ! فَقالَ: يا حَبيبَيَّ ، فَمَن أنتُما ؟ قالا : مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله يُريدُ والِدُكَ قَتلَنا .
فَانكَبَّ الغُلامُ عَلى أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ، وهُوَ يَقولُ لَهُما مَقالَةَ الأَسوَدِ ، ورَمى بِالسَّيفِ ناحِيَةً وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ وعَبَرَ، فَصاحَ بِهِ أبوهُ : يا بُنَيَّ عَصَيتَني! قالَ : لَأَن اُطيعَ اللَّهَ وأعصِيَكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أعصِيَ اللَّهَ واُطيعَكَ .
قالَ الشَّيخُ : لا يَلي قَتلَكُما أحَدٌ غَيري ، وأخَذَ السَّيفَ ومَشى أمامَهُما، فَلَمّا صارَ إلى شاطِىءِ الفُراتِ سَلَّ السَّيفَ مِن جَفنِهِ، فَلَمّا نَظَرَ الغُلامانِ إلَى السَّيفِ مَسلولاً اغرَورَقَت أعيُنُهُما، وقالا لَهُ: يا شَيخُ، اِنطَلِق بِنا إلَى السّوقِ وَاستَمتِع بِأَثمانِنا، ولا تُرِد أن يَكوَن مُحَمَّدٌ خَصمَكَ فِي القِيامَةِ غَداً .