1165
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

ثُمَّ قالَت : أيُّهَا النّاعي ! جَدَّدتَ حُزنَنا بِأَبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام ، وخَدَشتَ مِنّا قُروحاً لَمّا تَندَمِل ، فَمَن أنتَ يَرحَمُكَ اللَّهُ ؟
قُلتُ : أنَا بَشيرُ بنُ حَذلَمٍ ، وَجَّهَني مَولايَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام وهُوَ نازِلٌ مَوضِعَ كَذا وكَذا مَعَ عِيالِ أبي عَبدِ اللَّهِ الحُسَينِ عليه السلام ونِسائِهِ .
قالَ : فَتَرَكوني مَكاني وبادَروا ، فَضَرَبتُ فَرَسي حَتّى‏ رَجَعتُ إلَيهِم ، فَوَجَدتُ النّاسَ قَد أخَذُوا الطُّرُقَ وَالمَواضِعَ ، فَنَزَلتُ عَن فَرَسي وتَخَطَّيتُ رِقابَ النّاسِ حَتّى‏ قَرُبتُ مِن بابِ الفُسطاطِ ، وكانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام داخِلاً ، فَخَرَجَ ومَعَهُ خِرقَةٌ يَمسَحُ بِها دُموعَهُ ، وخَلفَهُ خادِمٌ مَعَهُ كُرسِيٌّ فَوَضَعَهُ لَهُ وجَلَسَ عَلَيهِ ، وهُوَ لا يَتَمالَكُ مِنَ العَبرَةِ ، فَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ بِالبُكاءِ ، وحَنينُ الجَوارى وَالنِّساءِ ، وَالنّاسُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ يُعَزّونَهُ ، فَضَجَّت تِلكَ البُقعَةُ ضَجَّةً شَديدَةً ، فَأَومَأَ بِيَدِهِ أنِ اسكُتوا ، فَسَكَنَت فَورَتُهُم .
فَقالَ عليه السلام : الحَمدُ للَّهِ‏ِ رَبِّ العالَمينَ ، الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مالِكِ يَومِ الدّينِ ، بارِئِ الخَلائِقِ أجمَعينَ ، الَّذي بَعُدَ فَارتَفَعَ فِي السَّماواتِ العُلى‏ ، وقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجوى‏ ، نَحمَدُهُ عَلى‏ عَظائِمِ الاُمورِ ، وفَجائِعِ الدُّهورِ ، وألَمِ الفَواجِعِ ، ومَضاضَةِ۱ اللَّواذِعِ‏۲ ، وجَليلِ الرُّزءِ ، وعَظيمِ المَصائِبِ الفاظِعَةِ ، الكاظَّةِ الفادِحَةِ الجائِحَةِ .۳
أيُّهَا القَومُ ! إنَّ اللَّهَ تَعالى‏ ولَهُ الحَمدُ ابتَلانا بِمَصائِبَ جَليلَةٍ ، وثُلمَةٍ فِي الإِسلامِ عَظيمَةٍ ، قُتِلَ أبو عَبدِ اللَّهِ عليه السلام وعِترَتُهُ ، وسُبِيَ نِساؤُهُ وصِبيَتُهُ ، وداروا بِرَأسِهِ فِي البُلدانِ مِن فَوقِ عامِلِ السِّنانِ ، وهذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتي لا مِثلَها رَزِيَّةٌ .
أيُّهَا النّاسُ ! فَأَيُّ رِجالاتٍ مِنكُم يُسَرّونَ بَعدَ قَتلِهِ ، أم أيَّةُ عَينٍ مِنكُم تَحبِسُ دَمعَها وتَضَنُّ عَنِ انهِمالِها ؟ فَلَقَد بَكَتِ السَّبعُ الشِّدادُ لِقَتلِهِ ، وبَكَتِ البِحارُ بِأَمواجِها ، وَالسَّماواتُ بِأَركانِها ، وَالأَرضُ بِأَرجائِها ، وَالأَشجارُ بِأَغصانِها ، وَالحيتانُ في لُجَجِ البِحارِ ، وَالمَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ ، وأهلُ السَّماواتِ أجمَعونَ .

1.المَضَضُ : وجع المصيبة (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۰۶ «مضض») .

2.اللَّذعُ : حرقة كحرقة النار (لسان العرب : ج ۸ ص ۳۱۷ «لذع») .

3.الجائحة : كلّ مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة (النهاية : ج ۱ ص ۳۱۲ «جوح») .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
1164

8 / 10

قُدومُ آلِ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله إلَى المَدينَةِ

۱۶۸۱.الملهوف عن بشير بن حذلم‏۱: فَلَمّا قَرُبنا مِنها [أي مِنَ المَدينَةِ] نَزَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام فَحَطَّ رَحلَهُ ، وضَرَبَ فُسطاطَهُ وأنزَلَ نِساءَهُ ، وقالَ : يا بَشيرُ ! رَحِمَ اللَّهُ أباكَ لَقَد كانَ شاعِراً ، فَهَل تَقدِرُ عَلى‏ شَي‏ءٍ مِنهُ ؟
قُلتُ : بَلى‏ - يَابنَ رَسولِ اللَّهِ - إنّي لَشاعِرٌ .
قالَ : فَادخُلِ المَدينَةَ وَانعَ أبا عَبدِ اللَّهِ عليه السلام ، قالَ بَشيرٌ : فَرَكِبتُ فَرَسي ورَكَضتُ حَتّى‏ دَخَلتُ المَدينَةَ ، فَلَمّا بَلَغتُ مَسجِدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله رَفَعتُ صَوتي بِالبُكاءِ ، وأنشَأتُ أقولُ :




يا أهلَ يَثرِبَ لا مُقامَ لَكُم بِهاقُتِلَ الحُسَينُ فَأَدمعي مِدرارُ
الجِسمُ مِنهُ بِكَربَلاءَ مُضَرَّجٌ‏وَالرَّأسُ مِنهُ عَلَى القَناةِ يُدارُ
قالَ : ثُمَّ قُلتُ : هذا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ مَعَ عَمّاتِهِ وأخَواتِهِ قَد حَلّوا بِساحَتِكُم ونَزَلوا بِفِنائِكُم ، وأنَا رَسولُهُ إلَيكُم اُعَرِّفُكُم مَكانَهُ .
قالَ : فَما بَقِيَت فِي المَدينَةِ مُخَدَّرَةٌ ولا مُحَجَّبَةٌ إلّا بَرَزنَ مِن خُدورِهِنَّ ، مَكشوفَةً شُعورُهُنَّ مُخَمَّشَةً وُجوهُهُنَّ ، ضارِباتٍ خُدودَهُنَّ ، يَدعونَ بِالوَيلِ وَالثُّبورِ ، فَلَم أرَ باكِياً ولا باكِيَةً أكثَرَ مِن ذلِكَ اليَومِ ، ولا يَوماً أمَرَّ عَلَى المُسلِمينَ مِنهُ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .
وسَمِعتُ جارِيَةً تَنوحُ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام وتَقولُ :




نَعى‏ سَيِّدي ناعٍ نَعاهُ فَأَوجَعافَأَمرَضَني ناعٍ نَعاهُ فَأَفجَعا
أعَينَيَّ جودا بِالمَدامِعِ وأسكِباوجودا بِدَمعٍ بَعدَ دَمعِكُما مَعا
عَلى‏ مَن دَهى‏ عَرشَ الجَليلِ فَزَعزَعاوأصبَحَ أنفُ الدّينِ وَالمَجدُ أجدَعا۲
عَلَى ابنِ نَبِيِّ اللَّهِ وَابنِ وَصِيَّهِ‏وإن كانَ عَنّا شاحِطَ۳الدّارِ أشسَعا۴

1.وقع في اسمه اختلاف ، فذكر مرّة «بشر» واُخرى «بشير» ، وكذا في اسم أبيه حيث ذكر «حذلم» و«جذلم» و«خديم» .

2.الجَدعُ : قطع الأنف (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۹۳ «جدع») .

3.الشَّحطُ : البُعد (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۳۵ «شحط») .

4.الشَّاسِعُ والشَسوعُ : البعيد (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۳۷ «شسع») .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1970211
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به