أمّا بعد، فإنّا قد ابتُلينا بطول العمر والتعرّض لأنواع الفتن ، فنرغب إلى ربّنا ألّا يجعلنا ممّن يقول له غداً: «أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَ جَآءَكُمُ النَّذِيرُ»۱ ، فإنّ أمير المؤمنين قال : «العُمرُ الَّذي أعذَرَ اللَّهُ فيهِ إلَى ابنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً» ،۲وليس فينا رجل إلّا وقد بلغه ، وقد كنّا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا ، حتّى بلا اللَّه أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله ، وقد بلغتنا قبل ذلك كتبُه وقدمَت علينا رُسلُه ، وأعذر إلينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً ، وعلانية وسرّاً ، فبخلنا عنه بأنفسنا ، حتّى قُتل إلى جانِبنا ؛ لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قوّيناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا!! فما عذرُنا إلى ربّنا وعند لقاء نبينا صلى اللَّه عليه وآله ، وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذرّيته ونسله؟! لا واللَّه لا عذر دون أن تقتُلوا قاتلَه والمُوالين عليه ، أو تُقتَلوا في طلب ذلك ، فعسى ربّنا أن يرضى عنّا عند ذلك، وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن . أيّها القوم ، ولّوا عليكم رجلاً منكم؛ فإنّه لابدّ لكم من أميرٍ تفزعون إليه ، وراية تحفّون بها ، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم .
قال : فبدر القوم رفاعة بن شدّاد بعد المسيّب الكلام ، فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّ اللَّه قد هداك لأصوب القول ، ودعوتَ إلى أرشد الاُمور ، بدأتَ بحمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على نبيّه صلى اللَّه عليه وآله ، ودعوتَ إلى جهاد الفاسقين ، وإلى التوبة من الذنب العظيم ، فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك ، قلتَ : ولّوا أمركم رجلاً منكم تفزعون إليه وتحفّون برايته ، وذلك رأيٌ قد رأينا مثل الذي رأيت ، فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيّاً ، وفينا متنصّحا في جماعتنا محبّاً ، وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة ، صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد ، المحمود في بأسه ودينه ، والموثوق بحزمه ، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم .
قال: ثمّ تكلّم عبد اللَّه بن وال وعبد اللَّه بن سعد ، فحمدا ربّهما وأثنيا عليه، وتكلّما بنحوٍ من كلام رفاعة بن شدّاد ، فذكرا المسيّب بن نجبة بفضله ، وذكرا سليمان بن صرد بسابقته