1181
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

أمّا بعد، فإنّا قد ابتُلينا بطول العمر والتعرّض لأنواع الفتن ، فنرغب إلى ربّنا ألّا يجعلنا ممّن يقول له غداً: «أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَ جَآءَكُمُ النَّذِيرُ»۱ ، فإنّ أمير المؤمنين قال : «العُمرُ الَّذي أعذَرَ اللَّهُ فيهِ إلَى ابنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً» ،۲وليس فينا رجل إلّا وقد بلغه ، وقد كنّا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا ، حتّى بلا اللَّه أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله ، وقد بلغتنا قبل ذلك كتبُه وقدمَت علينا رُسلُه ، وأعذر إلينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً ، وعلانية وسرّاً ، فبخلنا عنه بأنفسنا ، حتّى قُتل إلى جانِبنا ؛ لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قوّيناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا!! فما عذرُنا إلى ربّنا وعند لقاء نبينا صلى اللَّه عليه وآله ، وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذرّيته ونسله؟! لا واللَّه لا عذر دون أن تقتُلوا قاتلَه والمُوالين عليه ، أو تُقتَلوا في طلب ذلك ، فعسى ربّنا أن يرضى عنّا عند ذلك، وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن . أيّها القوم ، ولّوا عليكم رجلاً منكم؛ فإنّه لابدّ لكم من أميرٍ تفزعون إليه ، وراية تحفّون بها ، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم .
قال : فبدر القوم رفاعة بن شدّاد بعد المسيّب الكلام ، فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّ اللَّه قد هداك لأصوب القول ، ودعوتَ إلى أرشد الاُمور ، بدأتَ بحمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على نبيّه صلى اللَّه عليه وآله ، ودعوتَ إلى جهاد الفاسقين ، وإلى التوبة من الذنب العظيم ، فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك ، قلتَ : ولّوا أمركم رجلاً منكم تفزعون إليه وتحفّون برايته ، وذلك رأيٌ قد رأينا مثل الذي رأيت ، فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيّاً ، وفينا متنصّحا في جماعتنا محبّاً ، وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة ، صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد ، المحمود في بأسه ودينه ، والموثوق بحزمه ، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم .
قال: ثمّ تكلّم عبد اللَّه بن وال وعبد اللَّه بن سعد ، فحمدا ربّهما وأثنيا عليه، وتكلّما بنحوٍ من كلام رفاعة بن شدّاد ، فذكرا المسيّب بن نجبة بفضله ، وذكرا سليمان بن صرد بسابقته

1.فاطر:۳۷ .

2.نهج البلاغة ، الحكمة ۳۲۶ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
1180

3 . ثورة التوّابين‏

رغم أنّ هذه الثورة اندلعت بعد ثورة أهل المدينة وأهل مكّة ، إلا أنّ مقدّماتها بدأت تزامناً مع ثورة المدينة ومكّة . وقد قام بهذه الثورة أشخاص تسبّبت دعوتهم قدوم الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة وأدّى تقاعسهم عن نصرته إلى وقوع حادثة كربلاء الدمويّة ، وبذلك فقد ارتكبوا ذنباً كبيراً، وكانوا يريدون أن يغسلوا عار هذا الذنب بدمائهم، ولذلك سمّيت نهضتُهم نهضةَ التوّابين .
وبعبارة اُخرى، فإنّ قسماً كبيراً من أهل الكوفة والذين كان بإمكانهم أن يغيّروا مصير المجتمع من خلال نصرة الإمام الحسين عليه السلام ، إلّا أنهم استسلموا - لبعض الأسباب - لسياسة ابن زياد القائمة على الترغيب والترهيب والخداع ،۱ انتبهوا إلى خطئهم التاريخيّ على إثر الأمواج الاجتماعيّة والسياسيّة لواقعة كربلاء ، وقرّروا أن يخفّفوا من عار هذا الذنب الذي لا يغتفر، عبر الثورة ضدّ حكومة يزيد والانتقام من قتلة سيّد الشهداء. وهذا هو نصّ رواية الطبري في هذا المجال :
لمّا قتل الحسين بن عليّ ، ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة۲ فدخل الكوفة ، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندّم ، ورأت أنّها قد أخطأت خطأً كبيراً بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ، ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه ، ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلّا بقتل من قتله أو القتل فيه . ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة : إلى سليمان بن صرد الخزاعي ؛ وكانت له صحبة مع النبي صلى اللَّه عليه وآله ، وإلى المُسيّب بن نجبة الفزاري ؛ وكان من أصحاب عليّ وخيارهم ، وإلى عبد اللَّه بن سعد بن نفيل الأزدي ، وإلى عبد اللَّه بن وال التيمي ، وإلى رفاعة بن شدّاد البجلي .
ثمّ إنّ هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد وكانوا من خيار أصحاب عليّ ، ومعهم اُناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم . قال: فلمّا اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيّب بن نجبة القوم بالكلام ، فتكلّم فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ قال :

1.راجع : ص ۷۰ (القسم الأوّل / الفصل الثالث / تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق وثورة الكوفة) .

2.معسكر الكوفة بالقرب منها وفي طريق الشام (راجع : الخريطة رقم ۴ في آخر الكتاب) .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1926939
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به