بِعَمِلِهِ ؟ وذلِكَ ظَنّي ، ثُمَّ اختَنَقَتهُ العِبرَةُ ، فَبَكى طَويلاً وعَلا نَحيبُهُ .
ثُمَّ قالَ : وصِرتُ أنَا ثالِثَ القَومِ ، وَالسّاخِطُ عَلَيَّ أكثَرُ مِنَ الرّاضي ، وما كُنتُ لِأَتَحَمَّلَ آثامَكُم ، ولا يَرانِي اللَّهُ جَلَّت قُدرَتُهُ مُتَقَلِّداً أوزارَكُم ، وألقاهُ بِتَبِعاتِكُم ، فَشَأنُكُم أمرُكُم فَخُذوهُ ، ومَن رَضيتُم بِهِ عَلَيكُم فَوَلّوهُ ، فَلَقَد خَلَعتُ بَيعَتي مِن أعناقِكُم ... .
وَاللَّهِ ، لَئِن كانَتِ الخِلافَةُ مَغنَماً لَقَد نالَ أبي مِنها مَغرَماً ومَأثَماً ، ولَئِن كانَت سوءاً فَحَسبُهُ مِنها ما أصابَهُ .
ثُمَّ نَزَلَ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ أقارِبُهُ واُمُّهُ ، فَوَجَدوهُ يَبكي ، فَقالَت لَهُ اُمُّهُ : لَيتَكَ كُنتَ حَيضَةً ولَم أسمَع بِخَبَرِكَ ، فَقالَ : وَدِدتُ - وَاللَّهِ - ذلِكَ ، ثُمَّ قالَ : وَيلي إن لَم يَرحَمني رَبّي .
ثُمَّ إنَّ بَني اُمَيَّةَ قالوا لِمُؤَدِّبِهِ عُمَرَ المَقصوصِ : أنتَ عَلَّمتَهُ هذا ولَقَّنتَهُ إيّاهُ ، وصَدَدتَهُ عَنِ الخِلافَةِ ، وزَيَّنتَ لَهُ حُبَّ عَلِيٍّ وأولادِهِ ، وحَمَلتَهُ عَلى ما وَسَمَنا۱ بِهِ مِنَ الظُّلمِ ، وحَسَّنتَ لَهُ البِدَعَ ، حَتّى نَطَقَ بِما نَطَقَ ، وقالَ ما قالَ .
فَقالَ : وَاللَّهِ ، ما فَعَلتُهُ ، ولكِنَّهُ مَجبولٌ ومَطبوعٌ عَلى حُبِّ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَلَم يَقبَلوا مِنهُ ذلِكَ ، وأخَذوهُ ودَفَنوهُ حَيّاً حَتّى ماتَ .۲
۱۷۵۶.الصواعق المحرقة : لَمّا وَلِيَ [مُعاوِيَةُ بنُ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ] صَعِدَ المِنبَرَ ، فَقالَ : إنَّ هذِهِ الخِلافَةَ حَبلُ اللَّهِ ، وإنَّ جَدّي مُعاوِيَةَ نازَعَ الأَمرَ أهلَهُ ، ومَن هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ورَكِبَ بِكُم ما تَعلَمونَ ، حَتّى أتَتهُ مَنِيَّتُهُ ، فَصارَ في قَبرِهِ ، رَهيناً بِذُنوبِهِ ، ثُمَّ قَلَّدَ أبِي الأَمرَ ، وكانَ غَيرَ أهلٍ لَهُ ، ونازَعَ ابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُصِفَ۳عُمُرُهُ ، وَانبَتَرَ عَقِبُهُ ، وصارَ في قَبرِهِ ، رَهيناً بِذُنوبِهِ .
ثُمَّ بَكى وقالَ : إنَّ مِن أعظَمِ الاُمورِ عَلَينا عِلمَنا بِسوءِ مَصرَعِهِ ، وبِئسَ مُنقَلَبُهُ ، وقَد قَتَلَ عِترَةَ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وأباحَ الخَمرَ ، وخَرَّبَ الكَعبَةَ ، ولَم أذُق حَلاوَةَ الخِلافَةِ ، فَلا أتَقَلَّدُ مَرارَتَها ، فَشَأنُكُم أمرُكُم ، وَاللَّهِ ، لَئِن كانَتِ الدُّنيا خَيراً فَقَد نِلنا مِنها حَظّاً ، ولَئِن كانَت شَرّاً فَكَفى ذُرِّيَّةَ أبي سُفيانَ ما أصابوا مِنها .۴
1.يقال : وَسَمَهُ يَسِمُهُ : إذا أثَّرَ فيه بِكَيٍّ (النهاية : ج ۵ ص ۱۸۶ «وسم»).
2.حياة الحيوان الكبرى : ج ۱ ص ۵۷ .
3.القَصْفُ : الكَسْرُ (الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۱۶ «قصف») .
4.الصواعق المحرقة : ص ۲۲۴ .