139
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

الأوّل : تهيئة الأرضية (عهد الإمام زين العابدين عليه السلام)

تهيّأت في هذه المرحلة الأرضيّة اللّازمة لبلورة شعائر العزاء ، وتشكيل محيط مناسب لظهور شعيرة دينيّة . ويجب أن نعتبر الإمام زين العابدين عليه السلام صاحب الدور الرئيسي لهذه المرحلة.
وكان بكاء الإمام عليه السلام يثير التساؤلات أحياناً ، خاصّة عند رؤيته للماء وعند إحضار الطعام .۱وقد بلغ هذا البكاء من الكثرة والسعة درجة بحيث إنّ الناس كانوا ينصحونه بالإقلال من البكاء حفاظاً على سلامته ، ولكنّ الإمام عليه السلام ومن خلال الإشارة إلى عمق مأساة كربلاء ، والمكانة الاجتماعيّة والدينيّة للأشخاص الذين استشهدوا فيها، كان يعتبر البكاء على اُولئك الأشخاص الأعزّاء أمراً لازماً ومنطقيّاً من جهة ، ومن جهة اُخرى كان يشجّع ويحضّ الآخرين عليه. فقد اعتبر البكاء على الإمام عليه السلام وأصحابه الشهداء سبباً للنجاة من العذاب الإلهي والدخول في الجنّة۲ ، وفي بحبوحة الأمن الإلهي ، ولم يكفّ هو نفسه عن البكاء ، حتّى هلاك عبيد اللَّه بن زياد والقتلة الآخرين لشهداء كربلاء ، بل حتّى نهاية عمره الشريف . ۳

الثاني : تأسيس أركان العزاء في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام‏

1 . عهد الإمام الباقر عليه السلام‏

يختلف عهد الإمام الباقر عليه السلام من بعض النواحي عن عهد الإمام زين العابدين عليه السلام ، فمن جهة كانت حركات التوعية التي قام بها الإمام زين العابدين عليه السلام وأصحابه قد غيّرت - إلى حدٍّ ما - الجوّ الفكري والسياسي ، وكان تحرّر العراق من سلطة الاُمويّين في السنوات العشر الأخيرة، قد هيّأ من جهة اُخرى الأرضيّة لمراسم العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام.
ونظراً إلى ما مرّ ، وفي ظلّ الظروف التي سادت آنذاك، فقد كان الإمام عليه السلام يتمتّع بمركز اجتماعي وفكري رفيع، وكان قد اكتسب المرجعيّة الدينيّة ؛ إذ كان الناس يرجعون إليه كثيراً . ولذلك فقد كان شعاع وجوده ونفوذ كلامه يفوق والده عليه السلام ، وقد استغلّ الإمام الباقر عليه السلام كلّ ذلك

1.راجع : ص ۱۳۷۳ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام ) .

2.راجع : ص ۱۳۵۳ ( الفصل الرابع / ثواب البكاء عليهم ) .

3.راجع : ص ۱۳۷۳ (الفصل الرابع / بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام) .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
138

كما ينبغي أن لا ننسى إقامة أهل المدينة العزاء عند عودة أهل بيت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ،۱وعزاء زوجات الإمام عليه السلام ،۲ وكذلك العزاء الذي أقامته اُمّ البنين لأولادها في البقيع .۳ ويجب أن نضيف إلى كلّ ذلك مراثي وحداد أهل بيت عبد المطّلب ، والذي كانوا يقيمونه يوميّاً خلال عام الشهادة في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام حتّى ثلاث أعوام في المدينة ،۴ وكان يشارك فيه بعض الصحابة والتابعين أيضاً ،۵ ولبس أهل بيت الإمام عليه السلام ملابسَ الحزن ،۶ومواصلة الأحزان والمآتم حتّى موت ابن زياد ،۷ وتعاطف بعض الأصحاب والتابعين معهم ؛۸كلّ ذلك خلق أجواء تمخّضت عن نشوء حركة «التوّابين»، حيث بدأوا مسيرتهم باتّجاه الشام ومحاربة قتلة الإمام الحسين عليه السلام ، بالتجمّع عند قبر الإمام عليه السلام وأصحابه وأقامة العزاء ، ثمّ واصلوا مسيرهم‏۹ .۱۰

المرحلة الثانية (إقامة العزاء كشعيرة دينيّة من قبل الأئمّة عليهم السلام)

ظهرت مراسم العزاء على أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام في هذه المرحلة باعتبارها شعيرة دينيّة ، وقد اكتسبت هذه الحقيقة الشكل النهائي في ثلاثة أدوار :

1.راجع : ص ۱۳۲۳ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .

2.الأمالي‏للشجري : ج ۱ ص ۱۷۵، تذكرة الخواصّ : ص ۲۶۵ وراجع : هذا الكتاب : ص ۱۳۱۸ ( الفصل الأوّل / رثاء الرباب ) .

3.راجع : ص ۱۳۲۷ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / ندبة اُمّ البنين) .

4.راجع : ص ۱۳۲۷ (الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / النياحة عليه ثلاث سنين) .

5.كتاب المجالس والمسائرات للقاضي النعمان : ص ۱۰۳.

6.راجع : ص ۱۳۲۸ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام ) .

7.راجع : ص ۱۳۲۷ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / استمرار مأتم أهل البيت إلى قتل ابن زياد ) .

8.راجع : ص ۱۳۸۰ ( الفصل الرابع / بكاء عدّة من الصحابة والتابعين ) .

9.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۵۸۹ .

10.ذكرنا فيما سبق أنّ حادثة كربلاء كانت عظيمة على المسلمين وسبباً لحزنهم العميق ، وأمّا بالنسبة لبني هاشم فقد تركت عليهم أثراً كبيراً بحيث إنّهم بقوا في حال الحزن والعزاء حتّى هلاك ابن زياد ، فهل إنّ هذا بسبب تأثّرهم بآداب العرب آنذاك حيث كانوا يديمون العزاء والحزن على المقتول حتى موت القاتل ؟ لا يبعد ذلك . وعلى أيّ حال فإنّ أهل البيت عليهم السلام خلال هذه السنوات الخمس أو الستّ جعلوا العزاء أمراً عادياً ، وهذا ما هيّأ الأرضية الفكرية والثقافية والجهادية المناسبة ، الأمر الذي اُضيف له دعم أهل البيت عليهم السلام وتوجيههم، فتحوّل إلى شعائر مذهبية ذات مغزى وقيمة عالية، والتي ستأتي الإشارة إليها فيما بعد .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1970350
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به