1421
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

ويَمينُكَ ، تُديرُ طَرفاً خَفِيّاً إلى‏ رَحلِكَ وبَيتِكَ ، وقَد شُغِلتَ بِنَفسِكَ عَن وَلَدِكَ وأهلِكَ ، وأسرَعَ فَرَسُكَ شارِداً ، وإلى‏ خِيامِكَ قاصِداً ، مُحَمحِماً باكِياً .
فَلَمّا رَأَينَ النِّساءُ جَوادَكَ مَخزِيّاً ،۱ونَظَرنَ سَرجَكَ عَلَيهِ مَلوِيّاً ، بَرَزنَ مِنَ الخُدورِ ، ناشِراتِ الشُّعورِ ، عَلَى الخُدودِ لاطِماتٍ ، لِلوُجوهِ‏۲ سافِراتٍ ، وبِالعَويلِ داعِياتٍ ، وبَعدَ العِزِّ مُذَلَّلاتٍ ، وإلى‏ مَصرَعِكَ مُبادِراتٍ .
وَالشِّمرُ جالِسٌ عَلى‏ صَدرِكَ ، مولِغٌ سَيفَهُ عَلى‏ نَحرِكَ ، قابِضٌ عَلى‏ شَيبَتِكَ بِيَدِهِ ، ذابِحٌ لَكَ بِمُهَنَّدِهِ ،۳قَد سَكَنَت حَواسُّكَ ، وخَفِيَت أنفاسُكَ ، ورُفِعَ عَلَى القَنا رَأسُكَ ، وسُبِيَ أهلُكَ كَالعَبيدِ ، وصُفِّدوا۴ فِي الحَديدِ ، فَوقَ أقتابِ المَطِيّاتِ ، تَلفَحُ وُجوهَهُم حَرُّ الهاجِراتِ ، يُساقونَ فِي البَراري وَالفَلَواتِ ، أيديهِم مَغلولَةٌ إلَى الأَعناقِ ، يُطافُ بِهِم فِي الأَسواقِ .
فَالوَيلُ لِلعُصاةِ الفُسّاقِ ، لَقَد قَتَلوا بِقَتلِكَ الإِسلامَ ، وعَطَّلُوا الصَّلاةَ وَالصِّيامَ ، ونَقَضُوا السُّنَنَ وَالأَحكامَ ، وهَدَموا قَواعِدَ الإِيمانِ ، وحَرَّفوا آياتِ القُرآنِ ، وهَملَجوا۵ فِي البَغيِ وَالعُدوانِ .
لَقَد أصبَحَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآلِهِ مَوتوراً ، وعادَ كِتابُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مَهجوراً ، وغودِرَ الحَقُّ إذ قُهِرتَ مَقهوراً ، وفُقِدَ بِفَقدِكَ التَّكبيرُ وَالتَّهليلُ ، وَالتَّحريمُ وَالتَّحليلُ ، وَالتَّنزيلُ وَالتَّأويلُ ، وظَهَرَ بَعدَكَ التَّغييرُ وَالتَّبديلُ ، وَالإِلحادُ وَالتَّعطيلُ ، وَالأَهواءُ وَالأَضاليلُ ، وَالفِتَنُ وَالأَباطيلُ .
فَقامَ ناعيكَ عِندَ قَبرِ جَدِّكَ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآلِهِ ، فَنَعاكَ إلَيهِ بِالدَّمعِ الهَطولِ قائِلاً : يا رَسولَ اللَّهِ قُتِلَ سِبطُكَ وفَتاكَ ، وَاستُبيحَ أهلُكَ وحِماكَ ، وسُبِيَت بَعدَكَ

1.خَزيَ خِزْياً : ذلّ وهان (المصباح المنير : ص ۱۶۸ «خزي») .

2.في المصدر: «الوجوه» ، والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار.

3.المُهَنَّدُ : السيف المطبوع من حديد الهند (الصحاح : ج ۲ ص ۵۵۷ «هند») .

4.صَفَدَهُ : أي شدّه وأوثقه (الصحاح : ج ۲ ص ۴۹۸ «صفد») .

5.الهملجة : حسن سير الدابّة في سرعة . وأمر مهملَج : أي مذلّل منقاد (تاج العروس : ج ۳ ص ۵۲۰ «هملج») .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
1420

الآخِرَةِ مَعروفَةٌ . حَتّى‏ إذَا الجَورُ مَدَّ باعَهُ ، وأسفَرَ الظُّلمُ قِناعَهُ ، ودَعَا الغَيُّ أتباعَهُ ، وأنتَ في حَرَمِ جَدِّكَ قاطِنٌ ، ولِلظّالِمينَ مُبايِنٌ ، جَليسُ البَيتِ وَالمِحرابِ ، مُعتَزِلٌ عَنِ اللَّذّاتِ وَالشَّهَواتِ ، تُنكِرُ المُنكَرَ بِقَلبِكَ ولِسانِكَ عَلى‏ قَدرِ طاقَتِكَ وإمكانِكَ . ثُمَّ اقتَضاكَ العِلمُ لِلإِنكارِ ، ولَزِمَكَ أن تُجاهِدَ الفُجّارَ ، فَسِرتَ في أولادِكَ وأهاليكَ ، وشيعَتِكَ ومَواليكَ ، وصَدَعتَ بِالحَقِّ وَالبَيِّنَةِ ، ودَعَوتَ إلَى اللَّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، وأمَرتَ بِإِقامَةِ الحُدودِ ، وَالطّاعَةِ لِلمَعبودِ ، ونَهَيتَ عَنِ الخَبائِثِ وَالطُّغيانِ ، وواجَهوكَ بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ .
فَجاهَدتَهُم بَعدَ الإِيعاظِ لَهُم ، وتَأكيدِ الحُجَّةِ عَلَيهِم ، فَنَكَثوا ذِمامَكَ وبَيعَتَكَ ، وأسخَطوا رَبَّكَ وَجَدَّكَ ، وَبَدؤوكَ بِالحَربِ ، فَثَبَتَّ لِلطَّعنِ وَالضَّربِ ، وطَحَنتَ جُنودَ الفُجّارِ ، وَاقتَحَمتَ قَسطَلَ الغُبارِ ، مُجالِداً بِذِي الفَقارِ ، كَأَنَّكَ عَلِيٌّ المُختارُ .
فَلَمّا رَأَوكَ ثابِتَ الجَأشِ ، غَيرَ خائِفٍ ولا خاشٍ ، نَصَبوا لَكَ غَوائِلَ‏۱ مَكرِهِم ، وقاتَلوكَ بِكَيدِهِم وشَرِّهِم ، وأمَرَ اللَّعينُ جُنودَهُ فَمَنَعوكَ الماءَ ووُرودَهُ ، وناجَزوكَ القِتالَ ، وعاجَلوكَ النِّزالَ ، ورَشَقوكَ بِالسِّهامِ وَالنِّبالِ ، وبَسَطوا إلَيكَ أكُفَّ الاِصطِلامِ ،۲ ولَم يَرعَوا لَكَ ذِماماً ، ولا رَاقَبوا فيكَ أثاماً في قَتلِهِم أولِياءَكَ ونَهبِهِم رِحالَكَ ، أنتَ مُقَدَّمٌ فِي الهَبَواتِ ،۳ومُحتَمِلٌ لِلأَذِيّاتِ ، وقَد عَجِبَت مِن صَبرِكَ مَلائِكَةُ السَّماواتِ .
وأحدَقوا بِكَ مِن كُلِّ الجِهاتِ ، وأثخَنوكَ بِالجِراحِ ، وحالوا بَينَكَ وبَينَ الرَّواحِ ، ولَم يَبقَ لَكَ ناصِرٌ ، وأنتَ مُحتَسِبٌ صابِرٌ ، تَذُبُّ عَن نِسوَتِكَ وأولادِكَ . حَتّى‏ نَكَسوكَ عَن جَوادِكَ ، فَهَوَيتَ إلَى الأَرضِ جَريحاً ، تَطَؤُكَ الخُيولُ بِحَوافِرِها ، وتَعلوكَ الطُّغاةُ بِبَواتِرِها ،۴ قَد رَشَحَ لِلمَوتِ جَبينُكَ ، وَاختَلَفَت بِالاِنقِباضِ وَالاِنبِساطِ شِمالُكَ

1.الغَوائِلُ : أي المهالك (النهاية : ج ۳ ص ۳۹۷ «غول») .

2.الاصطلام : افتعال من الصلم : القطع (النهاية : ج ۳ ص ۴۹ «صلم») .

3.الهَبْوة : الغَبَرة، ويقال لدقاق التراب إذا ارتفع : هبا يهبو (النهاية : ج ۵ ص ۲۴۱ «هبا») .

4.الباتِرُ : السيف القاطع (الصحاح : ج ۲ ص ۵۸۴ «بتر») .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1978579
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به