145
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

تُعطّل في ظلّ هذه الدولة لبعض الأسباب؛ إلّا أنّها استمرّت حتّى سقوط الفاطميّين .۱
ومع إمساك الأيّوبيين لزمام الحكم والذين بذلوا جهوداً واسعة من أجل محو الثقافة الشيعيّة ،۲ كان من الطبيعيّ أن يحولوا دون إقامة شعائر العزاء. ومع كلّ ذلك، فقد كان الشيعة

1.مات العاضد في يوم عاشوراء سنة سبع وستّين وخمسمئة (۵۶۷)، وانقضت دولة الفاطميين من مصر بموته (النجوم الزاهرة: ج ۳ ص ۳۵۶) .

2.كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومراسم ، وهي : موسم رأس السنة ، وموسم أوّل العام ، ويوم عاشوراء ، ومولد النبي صلى اللَّه عليه و آله... يوم عاشوراء: كانوا يتّخذونه يوم حزن تتعطّل فيه الأسواق ، ويُعمل فيه السماط العظيم المُسمّى سماط الحزن ، وقد ذكر عند ذكر «المشهد الحسيني » فانظره . وكان يصل إلى الناس منه شي‏ء كثير ، فلمّا زالت الدولة اتّخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور ؛ يوسّعون فيه على عيالهم ، ويتبسّطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتّخذون الأواني الجديدة ، ويكتحلون ، ويدخلون الحمّام ، جرياً على عادة أهل الشام التي سنّها لهم الحجّاج في أيّام عبدالملك بن مروان ؛ ليرغموا بذلك اُنوف شيعة عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه الذين يتّخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن فيه على الحسين بن عليّ؛ لأنّه قتل فيه. وقد أدركنا بقايا ممّا عمله بنو أيّوب من اتّخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسّط (الخطط المقريزيّة: ج ۲ ص ۳۸۹) .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
144

الرسمي. وقام الفاطميّون في مصر بالعمل نفسه بعد عقد من الزمن .۱
بعد مرسوم معزّ الدولة، تحوّل العزاء في بغداد إلى شعائر رسميّة كانت تقام سنويّاً في كلّ حارة وزقاق بحضور الشيعة .۲ ولكنّ المجتمع السنّي الساكن في حاضرة الخلافة لم يكن يستسيغ هذه الظاهرة ، ولذلك كانت تقع بعض المصادمات أحياناً .۳

العزاء في مصر

مع استقرار الدولة الفاطميّة كانت طائفة من الشيعة تقيم العزاء كما مرّ في يوم عاشوراء عند قبري السيّدتين اُمّ كلثوم ونفيسة ، وقد واصلوا هذه المسيرة بعد فترة داخل مدينة القاهرة وعند مشهد الحسين عليه السلام ، واكتسب العزاء في ظلّ هذه الدولة الطابع الحكومي ، وكان يقام مقترناً ببعض التشريفات ،۴حيث ذُكرت كيفيّتها في المصادر التاريخيّة .۵ وقد كانت مراسم العزاء

1.ذكر المقريزي أنّ ابن زولاق قال في كتاب سيرة المعزّ لدين اللَّه : في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستّين وثلاثمئة، انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين قبر كلثوم ونفيسة ومعهم جماعة من فرسان المغاربة [ المراد بهم جيش الخليفة والذين كانوا من أهالي المغرب ] ورجالاتهم، بالنياحة والبكاء على الحسين عليه السلام (الخطط المقريزية : ج ۲ ص ۲۸۹).

2.في المنتظم - في ذكر حوادث سنة ۳۶۱ ه . ق - : إنّه عمل ببغداد ما قد صار الرسم به جارياً في كلّ يوم عاشوراء، من غلق الأسواق وتعطيل البيع والشراء وتعليق المسوح (المنتظم : ج ۱۴ ص ۲۱۰) . وفي البداية والنهاية: قد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمئة وما حولها، فكانت الدبادب تُضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذرّ الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتُعلّق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ؛ موافقة للحسين لأنّه قُتل عطشاناً، ثمّ تخرج النساء حاسرات عن وجههنّ ينحن ويلطمن وجوههنّ وصدورهنّ، حافيات في الأسواق (البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۰۲) .

3.في الكامل في التاريخ والبداية والنهاية - في ذكر حوادث سنة خمسين وثلاثمئة - : في هذه السنة، عاشر المحرّم، اُغلقت الأسواق ببغداد يوم عاشوراء ، وفعل الناس ما تقدّم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنّة، جُرح فيها كثير ونُهبت الأموال (الكامل في التاريخ : ج ۵ ص ۳۳۶، البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۲۸۶ نحوه) .

4.قال ابن الطوير: إذا كان اليوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس ، فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود قد غيّروا زيّهم فيكونون كما هو اليوم، ثمّ صاروا إلى المشهد الحسيني ، وكان قبل ذلك يُعمل في الجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قرّاء الحضرة والمتصدّرين في الجوامع، جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والداعي من جانبيه، والقرّاء يقرؤون نوبة بنوبة ، وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعراً يرثون به أهل البيت ، فإن كان الوزير رافضياً تغلّوا، وإن كان سنّياً اقتصدوا ، ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات، فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل، فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره ، ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما باب الذهب، فيجدون الدهاليز قد فُرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط ، ويُنصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتُلحق بالمصاطب لتُفرش ، ويجدون صاحب الباب جالساً هناك، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم ، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضاً ، ثمّ يفرش عليها سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخلّلات والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النحل والفطير والخبز المغيّر لونه بالقصد ، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة واُدخل الناس للأكل منه ، فيدخل القاضي والداعي، ويجلس صاحب الباب نيابةً عن الوزير والمذكوران إلى جانبه ، وفي الناس من لا يدخل ، ولا يُلزم أحد بذلك ، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباناً بذلك الزي الذي ظهروا فيه ، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم ، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر، فيفتح الناس بعد ذلك ويتصرّفون (الخطط المقريزية: ج ۲ ص ۲۹۱) . و زاد ابن تغرى في النجوم الزاهرة : فكان ذلك دأب الخلفاء الفاطميين من أوّلهم المعزّ لدين اللَّه معد، إلى آخرهم العاضد عبد اللَّه (النجوم الزاهرة: ج ۳ ص ۱۵۳ في حوادث سنة ۴۸۸) .

5.في الخطط المقريزية - في مدفن الرأس الشريف - : ثمّ دُفن عند قبّة الديلم بباب دهليز الخدمة ، فكان كلّ من يدخل الخدمة يقبّل الأرض أمام القبر ، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ، ويكثرون النوح والبكاء ، ويسبّون من قتل الحسين . ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم (الخطط المقريزية: ج ۲ ص ۲۸۴ وراجع: ص ۲۹۰ و۲۹۱).

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1971339
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به