رَجَعَ وهُوَ مُتَغَيِّرُ اللَّونِ ، مُحمَرُّ الوَجهِ ، فَخَطَبَ خُطبَةً بَليغَةً موجَزَةً ، وعَيناهُ تَهمِلانِ دُموعاً .
قالَ فيها : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي خَلَّفتُ فيكُمُ الثَّقَلَينِ : كِتابَ اللَّهِ وعِترَتي ...
ألا وإنَّ جَبرَئيلَ قَد أخبَرَني بِأَنَّ اُمَّتي تَقتُلُ وَلَدِيَ الحُسَينَ بِأَرضِ كَربٍ وبَلاءٍ ، ألا فَلَعنَةُ اللَّهِ عَلى قاتِلِهِ وخاذِلِهِ آخِرَ الدَّهرِ .
قالَ : ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ ، ولَم يَبقَ أحَدٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ إلّا وتَيَقَّنَ بِأَنَّ الحُسَينَ عليه السلام مَقتولٌ .۱
۳۸.مثير الأحزان عن ابن عبّاس : لَمَّا اشتَدَّ بِرَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَرَضُهُ الَّذي ماتَ فيهِ ، وقَد ضَمَّ الحُسَينَ عليه السلام إلى صَدرِهِ ، يَسيلُ مِن عَرَقِهِ عَلَيهِ وهُو يَجودُ بِنَفسِهِ ، ويَقولُ : ما لي ولِيَزيدَ ؟ لا بارَكَ اللَّهُ فيهِ ! اللَّهُمَّ العَن يَزيدَ ! ثُمَّ غُشِيَ عَلَيهِ طَويلاً وأفاقَ ، وجَعَلَ يُقَبِّلُ الحُسَينَ عليه السلام وعَيناهُ تَذرِفانِ .
ويَقولُ : أما إنَّ لي ولِقاتِلِكَ مَقاماً بَينَ يَدَيِ اللَّهِ عزّ وجلّ .۲
۳۹.الفتوح عن ابن عبّاس : إنّي حَضَرتُ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وهُوَ فِي السِّياقِ۳ ، وقَد ضَمَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام إلى صَدرِهِ ، وهُوَ يَقولُ : هذا مِن أطائِبِ أرومَتي ، وأنوارِ عِترَتي، وخِيارِ ذُرِّيَّتي ، لا بارَكَ اللَّهُ فيمَن لا يَحفَظُهُ بَعدي . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : ثُمَّ اُغمِيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ساعَةً ، ثُمَّ أفاقَ ، وقالَ :
يا حُسَينُ ، إنَّ لي ولِقاتِلِكَ يَومَ القِيامَةِ مَقاماً بَينَ يَدَي رَبّي ، وخُصومَةً ، وقَد طابَت نَفسي ؛ إذ جَعَلَنِيَ اللَّهُ خَصيماً لِمَن قَتَلَكَ يَومَ القِيامَةِ .۴
۴۰.الأمالي للصدوق عن ابن عبّاس : إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله في ذلِكَ المَرَضِ كانَ يَقولُ : اُدعوا لي حَبيبي ، فَجَعَلَ يُدعى لَهُ رَجُلٌ بَعدَ رَجُلٍ ، فَيَعرِضُ عَنهُ ، فَقيلَ لِفاطِمَةَ عليها السلام : اِمضي إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَما نَرى رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يُريدُ غَيرَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَبَعَثَت فاطِمَةُ عليها السلام إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَلَمّا دَخَلَ فَتَحَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَينَيهِ ، وتَهَلَّلَ وَجهُهُ .
ثُمَّ قالَ : إلَيَّ يا عَلِيُّ ، إلَيَّ يا عَلِيُّ ، فَما زالَ صلى اللَّه عليه وآله يُدنيهِ حَتّى أخَذَهُ بِيَدِهِ ، وأجلَسَهُ عِندَ رَأسِهِ ،